تتواصل الهبّة على نسق واحد... فمنذ اليوم الأول لانطلاقتها والمواجهات والعمليات الفدائية تسير على شكل موجات متتالية، غير متوقعة من حيث الزمان والمكان...
لا شكّ في أنّ الهبّة أعادت خلط الأوراق ليس في فلسطين فحسب، بل وفي المنطقة العربية وكثير من دول العالم التي ترى في المنطقة عامل استقرار لأمنها.
حكومة الاحتلال اليمينية لم تكن تتوقع أن تندلع الهبّة بهذا الشكل الذي تجد نفسها فيه شبه مقيّدة وغير قادرة سوى على اجترار أشكال بالية من العقاب الفردي والجماعي من هدم المنازل والاعتقال وإغلاق مداخل القرى والمدن وتحديد حرية تنقل المواطنين... .
ولم يجد وزراء حكومة الاحتلال أكثر من تصعيد تصريحاتهم العنصرية ضد كل ما هو فلسطيني، وخاصة دعواتهم المباشرة للإعدام دون محاكمة، والتهجير الجماعي، وضمّ الأراضي التي تقع تحت سيطرة الاحتلال (مناطق «ج»)، وربما بحثوا كثيراً في قواميس العقاب الإرهابي عن مفردات لتطبيقها على شبّان لم يعايشوا منذ ولادتهم سوى اعتداءات الاحتلال ومعاناة ذويهم اليومية... ولم تترك لهم فرصة واحدة لأن يشعروا بمفهوم حريتهم سوى على المستوى الشخصي أو الاقتصادي أو السياسي.
السؤال المطروح ماذا بعد؟! بمعنى هل أن الحرب هي من أجل الحرب، أو المواجهة من أجل المواجهة... أم أن لكل ذلك نتائج يترقبها المواطن من أجل التأكيد على أن هذا الدم المسفوك على مذبح الاحتلال لن يذهب سُدى، وأنه لا بدّ من جني ثماره من الاحتلال.
في الانتفاضة الأولى جاءت النتائج بعد سنوات بتوقيع اتفاق أوسلو، والذي كان دون الحدّ الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني والتي كانت تستحق أكثر بكثير، ولم تكن النتائج بحجم التضحيات، وإن كان الأمل هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في نهاية الفترة الانتقالية المقدرة بخمس سنوات.
ولكن جاءت رياح أوسلو بعكس رغبة الشعب، ووجدنا أنفسنا في مأزقٍ كبير، وفي دوّامة سياسية غير قادرين على التراجع، وفي الوقت نفسه عاجزين عن التقدم إلى الأمام... بل والأخطر من ذلك هو ما خلّفته دولة الاحتلال من واقع جديد على الأرض ضاربة بعرض الحائط القرارات والقوانين الدولية... معتمدة فقط على شريعة الغاب، والبقاء للأقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
أمام هذا الأمر الواقع، تنبأ الكلّ بانتفاضة ثالثة، ولكن معرفة شكلها أو توقيتها واستمراريتها وتأثير العوامل الداخلية والإقليمية عليها كانت مجهولة... فيما اعتبر البعض مجرّد التفكير بانتفاضة أو مواجهات متواصلة مجرّد أحلام، لأن الوعي العربي والإقليمي لا يساعد بالمطلق على مثل هذا التحدّي.
جيل العشرينات من الشعب الفلسطيني قلب المعادلة... وأكد الحضور القوي والقدرة الإبداعية على المواجهة... وأن سياسة الصمت لا يمكن أن تستمر، وأن أعمال الترهيب والاعتداء يجب أن ترتد على هذا الاحتلال.
الهبّة أصبحت حقيقة واقعة، مستمرة، بأدوات مختلفة، تنتقل من منطقة إلى أخرى، بشكلٍ أقرب إلى مفهوم المتاهة العشوائية، وهذا ما صعّب المواجهة على سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية، والتي لم تعد قادرة على الفعل، واكتفت بانتظار ما سيحدث بعد ساعة أو هذه الليلة أو صباح الغد...
إذن هي حالة ارتباك أمني إسرائيلي، وحالة عجز سياسي، وحكومة عنصرية أثبتت فشلها السياسي بامتياز.
أما بالنسبة لنا كشعب فلسطيني، فإننا مازلنا بانتظار كيف سنستغل هذه الهبّة على شكل إنجازٍ سياسي... كيف سنتمكن من إعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح بقوة الجماهير والشباب المنتفض... وما هو أفق المستقبل لإحداث تغيير في حياة الفلسطينيين وخلاصهم من الاحتلال... .
هذه الأسئلة تبدو إجابتها أكثر من صعبة، وخاصة على المستوى القيادي، الذي، أيضاً، هو في مأزق، وتبدو حركة القيادة أكثر من بطيئة... ولا نريد القول إن هناك بعض ملاحظات العجز عن الفعل...
ربما حان الوقت، قبل فوات الأوان، لمراجعة وطنية جامعة من خلال المجلس الوطني والفصائل والقوى الفاعلة من أجل استثمار حقيقي لهذه الهبّة، وإلاّ سنصل إلى وضعٍ لا نريد لقيادتنا أن تكون شاهدة عليه!!!
abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد