135-TRIAL-

ما كاد الحبر يجف عن إعلان الشاطئ، الذي أعاد فيه طرفا المعادلة السياسية الداخلية الفلسطينية التأكيد على الالتزام باتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، الخاصين بالمصالحة وإنهاء الانقسام، وبمجرد ان غادر وفد حركة فتح قطاع غزة ، حتى سارع قادة " حماس " إلى "توضيح" ما تفهمه الحركة، وعمليا ما تهدف إليه من الذهاب على طريق المصالحة مع "فتح". وبعد ان قال محمود الزهار، الذي ظهر مجددا على خشبة المسرح السياسي، بعد غياب طويل، أن المجموعات العسكرية لن تخضع للسلطة، وستظل تأتمر بأمر "حماس" حتى بعد الانتخابات، أكمل موسى أبو مرزوق جملة التصريحات بالقول بأن الحكومة القادمة لن تكون حكومة الرئيس، بل حكومة الإطار القيادي، وحكومة التوافق، ثم تواصلت تصريحات مسؤولي وقادة "حماس"، لتصل الى حدود الحديث عن الافتراق السياسي بين برنامجي الحركتين، من خلال التأكيد على أن "حماس" لن تعترف بإسرائيل، وان مجلسا رئاسيا سيقود المرحلة الانتقالية وليس الرئيس محمود عباس، وذلك كرد _ على ما يبدو _ على ما أعلنه الرئيس من ان الحكومة القادمة ستكون حكومته وستعترف باتفاقيات المنظمة، وستلتزم بسياسته وتوجيهاته، في محاولة منه لاحتواء المحاولة الإسرائيلية لإعاقة تشكيل تلك الحكومة.

من الواضح أن تصريحات قادة "حماس" المختلفة والمتباينة، والتي جاءت بعد توقيع إعلان الشاطئ، تهدف لتحقيق العديد من الأهداف التي تبدو هي أيضا بدورها متباينة، بعضها موجه لكوادرهم وعناصرهم، بهدف تجنيدهم للقبول بمواصلة طريق المصالحة حتى إنهاء الانقسام، وبعضها موجه بشكل تكتيكي لفتح وذلك بفتح المزاد الحكومي مبكرا، بمناسبة الحديث عن بدء المحادثات للتشكيل الحكومي الجديد.
فبعد ان اجتمع المجلس المركزي، وكذلك المجلس الثوري، وبعد ان قام الرئيس محمود عباس بإعادة "توضيب" أو ترتيب وتفعيل الأوراق الداخلية وحتى العربية، وكل ما يستطيع من أجل كبح جماح ردة الفعل الإسرائيلية، ومنعها من استثمار لحظة انتهاء الفترة التفاوضية، بشكل دراماتيكي، وبعد أن يلتقي كلا من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس "حماس" خالد مشعل في الدوحة، حيث من المحتمل أن يقف عند حدود رأيهما بخصوص تفاصيل الحكومة الانتقالية، ومستوى الدعم اللذين سيقدمانه لها، سيكون الرئيس أمام استحقاق إصدار المرسوم الرئاسي بخصوص تشكيل الحكومة، وبالطبع، فإنه من الطبيعي أن يتردد، لسبب بسيط، وهو انه لا يضمن استجابة "حماس" في غزة بالتحديد، والتزامها، ولا حتى إيفاءها بما وقعت عليه قبل نحو أسبوعين في بيت إسماعيل هنية بمخيم الشاطئ، حيث انه لا مشكلة بالطبع مع حكومة رامي الحمد الله التي وضعت استقالتها بين يدي الرئيس، ولا كانت هناك في يوم من الأيام أية مشكلة بين الرئيس وبين حكوماته المتتابعة في رام الله ، التي كانت تلتزم بتوجيهاته وقيادته وحتى بسياساته العامة، ولكن المشكلة كانت وما زالت مع "حكومة" إسماعيل هنية في غزة، التي لم تعلن حتى اللحظة ولو بكلمة واحدة، استعدادها للاستقالة، أو لأن تحل نفسها، على الأقل، بالتزامن مع إعلان الرئيس تشكيل حكومة التوافق، وهنا بالذات توجد مشكلة، وهي كيف يمكن للرئيس أن يصدر مرسوما بتشكيل حكومة مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ما لم تقدم أو تعلن "الحكومتان" استقالتهما له ؟ !
ربما كان ابو مرزوق والزهار أرادا ان يطمئنا قادة وكوادر وعناصر القسام، بأنهما لم يسلما الراية للشراكة، حتى لا يقفوا كعقدة المنشار في طريق تنفيذ اتفاقات المصالحة، كما فعلوا في حزيران عام 2007، حين انقلبوا على اتفاق مكة بعد ثلاثة أشهر بالضبط، وهي المهلة التي كانوا قد منحوها لهنية حينها، وبأن سيطرتهم الفعلية ستظل على القطاع، وأن إدماج 3000 عنصر فتحاوي في أجهزتهم لن يمس هذه السيطرة، لأن الحديث لا يجري عن قيادة الأجهزة، كذلك محاولة ترويج المكسب المباشر من المصالحة بتأمين رواتب نحو 40 الف موظف حمساوي في غزة، من خلال ضمهم لمرتبات السلطة في رام الله، وبالتالي كسب تأييد هؤلاء لإعلان الشاطئ.
بالمقابل، بأن تلك التصريحات توجه لفتح خطابا مضمونه، ان "حماس" لم تقبل الدخول تحت عباءة فتح والسلطة، وهي تصر على الشراكة الثنائية، "وراس براس" وتفضل الذهاب الى إطار "فيدرالي" تكون فيه السيطرة الميدانية في غزة لها وفي الضفة لـ "فتح"، مع مجلس رئاسي مشترك وإطار قيادي ثنائي، إن كان على صعيد صلاحيات الرئاسة، او فيما يتعلق بالاتصال الخارجي. وهذا سينطبق حتى على معبر رفح ، والتواجد فيه، وربما حتى على ما ينجم عنه من عوائد ضريبية وما الى ذلك.
وطبعاً، ما زالت الهوة بين المصالحة وإنهاء الانقسام بيّنة وواضحة، و"حماس" والى حد ما "فتح"، تفضل الذهاب على طريق المصالحة، وبدلا من إنهاء الانقسام الذي بات مستحيلا مع عدم قدرة احد الفصيلين على احتواء الآخر، ومع تجربة فاشلة في نظام الشراكة، بتقاسم السلطة الواحدة ( حين كان الرئيس فتحاويا والحكومة حمساوية) فإن الوصول الى إنهاء الانقسام، عبر محطة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، دونه مرحلة انتقالية، ستشهد كل أشكال الشد والرخي وعض الأصابع بين الطرفين، بما لا يؤكد بأن الأمور ستسير قدما الى الأمام، وما رد فعل الناطقين باسم "فتح" على تصريحات قادة "حماس" الا تأكيد على ذلك، بما في ذلك نفي فايز أبو عيطة لما كان قد اعلنه موسى أبو مرزوق من أن عزام الأحمد سيعود لغزة بالتزامن مع زيارة الرئيس لقطر، للبحث في أسماء المرشحين للحكومة الانتقالية، والتي يصر الطرفان على ان تظل شأنا ثنائيا، منذ تفردا بإعلان الشاطئ، نظرا لنوايا تقاسم السلطة، بعد تقسيمها بينهما، وهذا في أحسن الأحوال، لدرجة أن يخطئا في كتابة اسم أبو مرزوق على ورقة الإعلان، بما يدل على انه كتب على عجل، أو انه ليس على تلك الدرجة من الأهمية، التي يعتقدها البعض، وان سياسة "حط في الخرج" باتت متبعة من قبل من يتحكمون بالشأن الداخلي الفلسطيني، ويلعبون بمصير شعب مكافح قدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الأسرى ومئات ألوف الجرحى، وما زال يعض على الجرح، الذي بات نصفه الداخلي، منذ الانقسام، يؤلم أكثر من نصفه الخارجي.
Rajab22@hotmail.com 292

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد