شكّل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر عام 1948، علامة فارقة في مسيرة التطور التاريخي لحقوق الإنسان، لحرصه على حماية كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية بالاستناد إلى الصفات المشتركة لبني البشر ووحدة الأسرة الإنسانية، دون اعتبار للون أو جنس أو دين أو عرق أو أي من ضروب التمييز الأخرى.

هذا وتعتبر ذكرى الإعلان مناسبة هامة لتذكير المجتمع الدولي بواجباته الأخلاقية والقانونية الملقاة على عاتقه تجاه الحقوق الفردية والجماعية لبني البشر جميعاً، وبدوره في تحقيق التقدم على صعيد احترام وحماية وتعزيز حقوق الإنسان. تحتفل الأسرة الدولية هذا العام ومازال الإنسان الفلسطيني وحقوقه وحرياته وكرامته تُنتهك على نطاق واسع دون اعتبار للإعلان العالمي أو لأيٍ من المواثيق والاتفاقات الدولية التي كفلت حماية حقوق الإنسان.

عليه يمثل الإعلان وذكراه لدى الفلسطينيين مناسبة خاصة تذكرهم بتقاعس المجتمع الدولي عن نصرة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير من احتلال جاثم على أرضه لأكثر من عمر الإعلان نفسه، سيما أن العديد من الدول التي تشكل اليوم منظومة المجتمع الدولي وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية هي من سهلت وباركت ودعمت احتلال الصهاينة لفلسطين وارتكابهم أفظع الجرائم بحق شعب أعزل وهجرته وأذاقته أصناف العذاب كافة

  في ذكرى الإعلان، يستذكر الفلسطينيون حجم الدعم الدولي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي خاصة من قِبل رأس هرم المجتمع الدولي وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تأل جهداً في دعم سلطة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، مقابل وقوفها حجر عثرة أمام نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.

فلقد وقفت الولايات المتحدة الأمريكية في الهيئات الدولية كافة إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي وضد الحق الفلسطيني، كما أنها وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن استخدمت حق النقد الفيتو لـ(31) مرة ضد مشاريع قرارات تنتصر لحقوق الشعب الفلسطيني، ومناصرة للاحتلال الإسرائيلي وحمايته حتى من مجرد توجيه الإدانة لأفعاله وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، وكان آخرها في ديسمبر 2014 باستخدام "الفيتو" ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود عام 1967 في غضون عامين، حيث جاء هذا الفيتو الأمريكي ليبرهن مجدداً على متانة التحالف الاستراتيجي بين قوى الشر وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال ضد الضحية متمثلة بالشعب الفلسطيني.

إن تغليب المجتمع الدولي للمصالح السياسية على الانتصار لقضايا حقوق الإنسان، شكل حاضنة ودعم للاحتلال الإسرائيلي وسياساته وممارساته الممنهجة التي حرمت الشعب الفلسطيني من التمتع بحقوقه وحرياته الأساسية، وأعطى الاحتلال الضوء الأخضر للاستمرار في ارتكاب جرائمه بحق الفلسطينيين من قتل، دمار، عدوان، حصار، عزل، تهجير قسري، تجريف للأراضي، تهويد للأرض والمقدسات، تمييز عنصري، نهب للثروات، وتقطيع لأوصال المدن والقرى، هذا وغيرها الكثير من أوجه الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني التي تستعر وتتصاعد بمباركة المجتمع الدولي.

احتفال العالم بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يأتي كعادته فارغاً من مضمونه ولا معنى له، فالمجتمع الدولي مازال مصراً على التنصل من مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه حماية حقوق الإنسان والانتصار لحقوق الشعوب المقهورة والمظلومة، وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني التي غيّبها الاحتلال بمباركة هذا المجتمع الدولي ذاته. عليه فإن قيمة الإعلان لا تأتي من الاحتفال بذكراه بل بتطبيق نصوصه، حماية ًلحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في أصقاع المعمورة كافة دون تمييز.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد