من أطرف الأشياء التي قرأتها في التعليق على «هاشتاج» «سلموا المعبر» تصريح عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق بأن حصار غزة هو جريمة إبادة. وحديثه عن «قبيلة فتح وناطقيها الذين اتخذوه ورقة ضغط سياسي على شعبنا في قطاع غزة، إما عقابًا لمن انتخب «حماس» وإما ضغطًا على حماس من خلال معاناة الناس». واختتامه القول بضرورة عدم تشتيت الجهود وصرف الأنظار عن «انتفاضة القدس »، فهي طريق الخلاص من كل معاناتنا التي فرضها الاحتلال. فإذا كان حصار غزة جريمة، وهي لا تصل إلى مستوى جرائم الإبادة طبعاً، فمن المسؤول عن حصار غزة ومن الذي يمكنه أن يساهم بشكل فعلي وفوري في رفع الحصار؟


لقد بات من البديهيات التي لا يختلف حولها اثنان طبعاً خارج حركة حماس أن سيطرة الحركة على قطاع غزة بقوة السلاح بعد انقلابها على السلطة هو السبب المباشر للحصار المفروض على غزة من جانب إسرائيل، وتدخلها في الشأن المصري في إطار دعمها لحركة «الإخوان المسلمين» المصرية هو الذي قاد إلى إغلاق مصر لحدودها مع قطاع غزة، وبالتالي التسبب بالضائقة التي يمر بها قطاعنا المظلوم والمغلوب على أمره، الذي تحول إلى رهينة بيد «حماس» التي تنظر إلى القطاع كوسيلة لدر الأموال وتحصيل تمويل للحركة. فالمواطن في قطاع غزة يدفع ضريبتين واحدة للسلطة مقابل الخدمات التي يحصل عليها، وأخرى لـ»حماس» التي لا يرى منها سوى الاضطهاد والابتزاز. فجريمة الحصار تعود على الشريك الأكبر فيها والمسبب لها.


أما اتهام «فتح» التي وصفها أبو مرزوق بالقبيلة بأنها تقف خلف «الهاشتاج» فهذا تزوير لموقف ورأي المواطنين الذين بادروا لهذا الفعل والمشاركين بكثافة في الترويج والنشر والتعليق وهم من كل الأطياف وهناك أعداد كبيرة لا تنتمي لأي فصيل، وربما تكون «فتح» هي أضعف المشاركين. والاتهام هنا لتبرير الرفض وعدم الاستجابة على اعتبار أنه يأتي في إطار المناكفة والخلافات السياسية، مع العلم أن ما يميز هذا «الهاشتاج» هو كونه يأتي من الشعب من المواطن البسيط وهو صرخة في واد الانقسام السحيق لعل الذين يأخذون الشعب رهينة يستجيبون لصرخة الاستغاثة هذه. ولن ينفع القائمين على الأمر في غزة الذين اعتقدوا بأنهم يخدعون الناس بأنهم سلموا السلطة لحكومة الوفاق، وهم في حقيقة الأمر يحتفظون بها كاملة، وفقط يريدون أن تمولهم الحكومة وتصرف رواتب لموظفيهم دون أن تكون لها ولاية فعلية على الأرض، وتكون الجباية لـ «حماس»، أن يتهربوا من مسؤوليتهم عما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة والمأساة الإنسانية الكبيرة التي هي فعلاً جريمة.


قد لا نستطيع إنهاء الانقسام في المدى القريب بسبب عدم وجود إرادة حقيقية لإنهائه ويشترك في المسؤولية من تسبب في الانقسام ومن يرى فيه تحقيقاً لمصلحة أو حفاظاً عليها، ولكن على الأقل لنعمل على تخفيف معاناة الناس لأن الرهان على الوقت فيما يتعلق ب معبر رفح هو رهان خاسر، فالموقف المصري واضح وحاسم وجازم ولن يتغير بالدعوات ومحاولات الوصول إلى حلول جزئية هنا وهناك، فهو باختصار الرفض المطلق لفتح المعبر طالما حركة «حماس» على الحدود مع مصر. والسلطات المصرية ترى في «حماس» خصماً لا يمكن التعاون معه، وبالتالي فإصرار «حماس» على موقفها يعني بالضرورة إصرار على حصار الشعب الفلسطيني في غزة، وعلى عدم الاستجابة لنداءات وصرخات المواطنين التي تعبر عن ضائقة خانقة ومدمرة.


أما القسم الأخير من تعليق أبو مرزوق فهو أن الحديث عن المعبر فيه صرف أنظار عن انتفاضة القدس، وهذا يعبر عن مغالطة كبرى، فالانتفاضة أو الهبة الشعبية هي في جزء منها رفض للواقع الفلسطيني الداخلي كما هي رفض للاحتلال وممارساته ضد الأقصى والقدس والوطن عموماً. وهؤلاء الشبان المنتفضون لا يقبلون بحصار غزة ولن يؤثر سلباً على انتفاضتهم أن يتمتع أبناء القطاع بحرية حركة إلى العالم الخارجي، بل يجب أن يتخذ الموقف الوطني الصحيح انسجاماً مع الموقف البطولي للشبيبة الثائرة وإكراماً لنضالاتها التي تستدعي تصرفاً قيادياً مختلفاً على كل الصعد والمستويات، وإذا كانت حركة «حماس» معنية حقيقة بنجاح الانتفاضة وليس من باب الشعارات فأكبر هدية يمكن أن تقدمها لها هي الساهمة الفعلية في إنهاء الانقسام بدءا بتسليم المعابر للسلطة وحرس الرئيس ووضع الموظفين الذين يمكنهم أن يسهلوا العمل، دون انتقاص من حقوق جميع العاملين بمن فيهم المنتمون لـ»حماس» أو الذين وظفتهم، وهؤلاء يمكن أن ينتقلوا لوظائف أخرى ربما في نفس المجال ولكن ليس نفس المكان.


 إن هاشتاج «سلموا المعبر» هو شكل آخر من أشكال النضال الشعبي لتغيير واقع الحال، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل كل القوى، فهو تعبير عن إرادة شعبية واسعة تتزايد باستمرار وبسرعة كبيرة جداً، ومن مصلحة «حماس» ألا تقف في وجه هذه الرغبة الشعبية وإلا فإنها ستخسر كثيراً. والشيء الذي يجب أن تدركه «حماس» أن لا شيء سيبقى كما هو إلى مالا نهاية، فطبيعة البشر عدم قبول الوضع الراهن، وهذا ينطبق على الانتفاضة ضد الاحتلال كما ينطبق على سوء الأوضاع الداخلية الناجم عن الانقسام وعن كل أشكال الفساد وسوء الإدارة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد