تتواصل انتفاضة الشباب الفلسطيني برغم كل المحاولات الإسرائيلية ورغم القرار الجارف بالقتل الفوري لكل مشتبه به، وتكثيف حملات الاعتقال والعقوبات المختلفة من اغلاق وهدم بيوت وغيرها، فالمستوى العسكري الإسرائيلي يعترف صراحة بعدم وجود حل للانتفاضة وبعضهم يطالب بتوفير حلول سياسية، ومع أن الحكومة الإسرائيلية تتهم السلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف، إلا أن الجميع يدركون أن الانتفاضة الحالية حتى لو كانت محدودة بالمقارنة مع الانتفاضة الأولى على سبيل المثال، هي بمثابة مبادرة فردية للشبان الفلسطينيين بدون تأثير للسلطة أو للفصائل عليها. وهذا لا يلغي كون جزء من الشباب المشاركين في المواجهات ينتمون لفصائل وقوى مختلفة.
هذه الانتفاضة تخضع للكثير من التحليل ومحاولات تفسير اسبابها وابعادها وآفاقها المستقبلية، وسيتحدث الكثيرون حول هذا الموضوع المثير للاهتمام، والذي ينم عن ابداع شعبي تميز به الفلسطينيون عندما يشعرون أن قياداتهم مأزومة تماماً كما جرى في الانتفاضة الأولى مع فارق الظروف ودور الفصائل ومستوى المشاركة الشعبية. وما يهمنا هنا هو تفاعل القيادات السياسية مع هذا الفعل الشعبي المميز، وهل كانت بمستوى الحدث وعلى قدر المسؤولية بحيث تعزز أمل الشباب في المستقبل؟
لكي نجيب على السؤال السابق لا بد من البحث فيما هو مطلوب من الفصائل والسلطة وكل القيادات، فما هو مطلوب حسب غالبية التحليلات السياسية يتمثل في تطوير الحالة الداخلية لاحتضان الانتفاضة وتوفير مرجعية سياسية لها تقوم على رؤية سياسية واحدة، وبرنامج عمل محدد لتحقيق هذه الرؤية في إطار تكاملي مع الفعل الانتفاضي. وبعيداً عن الشعارات الكاذبة لم يحصل شيء من هذا، ويمكن القول أن انتفاضة الشباب، التي هي في جزء منها انتفاضة على الوضع الداخلي المزري والكارثي، قد عرت قياداتنا وكشفت افلاسها وعدم قدرتها على استيعاب ما يجري والتعاطي الإيجابي معه، إما بسبب عقمها وشيخوختها أو بسبب مصالح شخصية أو فئوية ضيقة للغاية.
الفشل الأكبر للقيادات السياسية هو في بقاء الانقسام الذي لم يعد مقبولاً في زمن الانتفاضة والكفاح والاستهداف الإسرائيلي العنصري لكل ما هو فلسطيني وهذا يشمل الأرض والموارد والإنسان، وفي ظل انعدام امكانية تحقيق التسوية السياسية للصراع باستخدام الأدوات المجربة حتى الآن وعلى رأسها المفاوضات المباشرة، واستمرار الانقسام في الواقع هو خيانة للانتفاضة أو على الأقل رفض لاستثمارها سياسياً، من اجل الوصول الى الأهداف المتوخاة منها. 
ومن البديهي أن تكون الخطوة الأولى لتفاعل القيادات في شقي الوطن مع هذا النضال والمبادرات الشعبية الرائعة، العمل فوراً على إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسة القيادية لتقوم بدورها في مواكبة الانتفاضة وتوفير أسباب استمرارها ونجاحها، خاصة بعد أن أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية ووضعتها مجدداً على الأجندات الإقليمية والدولية. ولكن للأسف لم ترتق القيادات إلى المستوى المطلوب، بل أن الوضع أصبح أكثر صعوبة وتعقيداً على جبهة الانقسام بعد فشل محاولات فتح معبر رفح ، وبعد الخطوات أحادية الجانب والمخالفة للقانون والمعززة للانقسام التي قامت بها « حماس » بإقرار توزيع الأراضي الحكومية في غزة على موظفيها بدلاً من رواتبهم المستحقة، وهذا فيه اعتداء على الحق العام بل وتعويض بائس ومضر للموظفين لا يضمن لهم حقوقاً. وبفرض ضرائب جديدة على اللحوم والفواكه، ففي خطوات «حماس» هذه ازدواجية غير مفهومة: فمن جهة «حماس» تطالب حكومة التوافق بحل مشكلات غزة من كهرباء وصحة وغيرها، ومن جانب آخر تقول أنها ليست صاحبة الولاية في غزة، كما قال زياد الظاظا، حيث القرار في غزة لـ»حماس».
وللواقع ليست «حماس» فقط المسؤولة عن بقاء الانقسام بالرغم من أنها تتحمل المسؤولية الأولى والأكبر، وإنما كذلك قيادة «فتح» والسلطة التي لا تبذل جهداً كافياً لتحقيق المصالحة، وترفض على سبيل المثال دعوة الإطار القيادي المؤقت للانعقاد لبحث موضوع انعقاد المجلس الوطني أو على الأقل التوافق على قيادة موحدة تنهي الانقسام وتضع مسألة الكفاح الوطني لانهاء الاحتلال أولوية لها، بالإضافة إلى معالجة مشكلات وهموم المواطنين اليومية وأهمها انهاء الحصار المفروض على قطاع غزة. وقد يقول قائل إن «حماس» لا تريد وأنها تتخذ خطوات من شأنها تعميق الانقسام. ويمكن أن يكون هذا صحيحاً ولكن لماذا لا نقوم بما علينا ونكشف نوايا «حماس» الحقيقية فإن كانت معنية بانهاء الانقسام فهذا خير وجيد، وإن كانت مجرد تتشدق بشعارات فليتم تعريتها شعبياً والعمل ضدها على كل المستويات لإجبارها على الانصياع لرغبة وإرادة الشعب والمصلحة الوطنية العليا.
ولا يقتصر فشل القيادات على بقاء الانقسام، بل إن الوضع في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في تراجع مستمر على مستوى الأداء الإداري وعلى مستوى الحريات وسيادة القانون ومراعاة قواعد الديمقراطية والشفافية والالتزام بقواعد الحكم السليم. والسلطة تضعف مع الوقت وتصبح أكثر هشاشة إلى درجة أن عدونا والعالم بأسره يبحث مسألة انهيار السلطة، والمأزق لا يشمل فقط السلطة الشرعية في الضفة، بل إن «حماس» أيضاً تضعف وهناك تحديات كبيرة لحكمها تتمثل في معارضة المواطنين وغضبهم من سلوكها وأيضاً في الخطر الذي تمثله الجماعات الأكثر تطرفاً التي نمت في أحضانها ولم تعد ترى فيها سوى نظام فاسد، ومنحرف.
لا تزال هناك فرصة لإعادة النظر في واقع العمل الفصائلي والسلطوي والعودة مجدداً إلى مربع الانحياز للشعب وحركته المباركة لتأمين عوامل النجاح له بما يضمن التخلص من الاحتلال وانجاز الحقوق الوطنية التي تحظى بإجماع وطني. ودائماً الطريق يمر بانهاء الانقسام وهو المحك لفحص مدى الصدق والإخلاص والوطنية، فهل ستظل قياداتنا خارج السياق وينبذها الشعب أم أنها ستصحو وتصحح مسارها؟!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد