42-TRIAL- مئات قليلة من الإسرائيليين، تظاهروا يوم الخميس الماضي في ميادين تل أبيب، تحت شعار "لا للتصعيد.. لا للانتقام" على خلفية موجات التحريض والدعوة العلنية إلى الانتقام من العرب وقتلهم، كما تم مع الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، على اثر العثور على المستوطنين القتلى الثلاثة.. هذه التظاهرة رغم محدودية تأثيرها، رفعت لافتة تلخص "الخلاص": "اتفاق سياسي: ضربة قاضية للإرهاب" باعتبار أن أي حل أمني لن يكفل لإسرائيل ضمان أمنها، فقد جربت "الرصاص المصبوب" بأشكال مختلفة ومتكررة في الضفة الغربية، كما شنت حربين واسعتين في قطاع غزة ، من دون أن تقضي على ما تسميه "الارهاب" لذلك، وكما أشارت اليافطة المذكورة، ليس هناك من حل، إلاّ من خلال اتفاق سياسي، يعلم المتظاهرون أن حكومة نتنياهو هي من وضعت العراقيل مراراً وتكراراً أمام مثل هذا الحل.
من الناحية الواقعية، فإن إسرائيل لم تتمكن من القضاء على "الارهاب" من خلال كل حروبها الواسعة، أو الضربات الجراحية اليومية والاغتيالات المتواصلة، رغم ذلك، فإن إسرائيل تعتبر أن ومن خلال هذه الأساليب تحدّ من قدرة "الارهاب" على مواجهتها، فنتيجة لحربين شنتهما على قطاع غزة، واتفاقات الهدنة اثر كل حرب، نجحت إسرائيل في فرض منطقة عازلة برية وبحرية في القطاع، وحسب تقرير نشره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في الثاني من شباط 2014، فقد بلغت مساحة هذه المنطقة 62,6 كيلو متر مربع ما يعادل 35% من مساحة الأراضي الزراعية و17% من المساحة الكلية لقطاع غزة، إضافة إلى فرض تقليص في الحق في الصيد إلى ما نسبة 85% من المناطق المسموح بها بموجب اتفاق أوسلو !!
يضاف إلى ذلك، "السيطرة بالنيران" لمناطق أوسع وبحيث لا يتمكن المواطنون والسكان من الاقتراب من "المنطقة العازلة" ما يشير وفقاً للأرقام الواقعية إلى أن سياسة "القضم والهضم" التي تتبعها إسرائيل، ليست مقصورة على السياسة الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، لكنها تمتد إلى قطاع غزة، وإن كان ذلك بأشكال وأساليب أخرى، خاصة أن هذه السياسة ذات البعد الأمني في قطاع غزة، تكاد تكون "غير منظورة" من قبل وسائل الإعلام، ولا يحاول الساسة الإشارة لها، كونها لا تتطابق مع شعاراتهم المرفوعة والمعلنة!
"المنطقة العازلة" هذه، لم توفر الأمن لإسرائيل، بل أدت إلى أن تلجأ فصائل الثورة الفلسطينية إلى زيادة مدى صواريخها بحيث لا تضطر إلى إطلاقها من تخوم الحدود، وباتت تهدد وسط إسرائيل، وهو الأمر الذي جعل إسرائيل بمستوياتها الأمنية والسياسية أكثر تردداً في شن حرب واسعة ثالثة على قطاع غزة، وهذا ما عبرت عنه التسريبات عن اجتماعات المجلس الوزاري المصغر خلال الأيام القليلة الماضية للبحث في كيفية الانتقام لمقتل المستوطنين الثلاثة، على الأقل كمبرر لمثل هذه الحرب، علما أن الجدول العدواني لإسرائيل لم يكن بحاجة إلى أي مبرر للقيام بعدوان جديد الهدف منه إعادة الثقة بالقدرات العسكرية والأمنية لإسرائيل، بعد اهتزاز قدرتها الردعية.
الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل، سياسياً وأمنياً واستخبارياً مع مسألة خطف المستوطنين الثلاثة ومقتلهم، كشفت عن تراجع هذه المستويات بشكل واضح، وهي حرب جديدة، تكتشف فيها إسرائيل أنها لم تعد تلك القوة التي يشار إليها على المستوى الإقليمي والدولي، ربما لذلك، ستعمد إسرائيل إلى مغامرة جديدة، تحاول من خلالها استعادة الثقة بهذه المستويات، غير أن الرهان على نتائج هذه المغامرة، مغامرة لن تكون نتائجها إلاّ المزيد من الدماء، من دون أن تتحقق الأهداف المرسومة لها.
لذلك رأينا في الأيام الأخيرة، أن إسرائيل تحاول استعادة أمجادها الاستخبارية بالعودة إلى نجاح استخباراتها في إنقاذ المخطوفين الإسرائيليين اثر عملية عنتيبة قبل 38 عاماً بالضبط، وبعد أن سردت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، مجرى هذه العملية، تطرقت إلى عائلة نتنياهو ودورها في عملية إنقاذ الإسرائيليين بالإشارة إلى أن يوناثان نتنياهو، كان قائد عملية الإنقاذ، وهو أخ رئيس الحكومة حالياً، وكان من ضمن هذه القوة أربعة رؤساء أركان مستقبليين: دان شمرون وايهود باراك، وشاؤول موفاز وجابي اشكنازي، يوناثان قتل في اللحظات الأولى لعملية الإنقاذ.. استعادة هذه العملية محاولة لإعادة الاعتبار للمؤسسة الاستخبارية بعد فشلها في عملية إنقاذ المستوطنين والقبض على الخاطفين، لكنها، أيضاً، محاولة لإعادة الاعتبار لنتنياهو وعائلته، بعد صيحات المطالبة باستقالة من اليمين واليسار في إسرائيل.
عملية إسرائيلية واسعة قد تكون قريبة، وقد يحدد نتنياهو ساعة الصفر أثناء نهائيات المونديال، لحرف الأنظار عن المجازر التي ستكون حصيلة مؤكدة لهذا العدوان، لكن أمام إسرائيل المزيد من الوقت، لكي لا تتحول مغامرتها إلى مقامرة لا يمكن السيطرة على نتائجها!!
hanihabib1954@gmail.com 224

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد