ازداد اهتمام قادة دول العالم بموضوع التغيرات المناخية أكثر من أي وقت مضى بوصفه أحد أهم التحديات التي تواجهها البشرية في عصرنا الراهن، وذلك بتبني اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، التي وضعت إطار العمل الذي يهدف إلى تثبيت مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، لتجنب التدخلات الخطيرة الناشئة عن بعض الأنشطة البشرية، حيث بلغ عدد الدول الموقعة على الاتفاقية (196) دولة, منذ دخولها حيز التنفيذ في 21 مارس 1994, وفي عام 1997 اعتُمد بروتوكول (كيوتو) من أجل تطبيق الاتفاقية، ودخل حيّز النفاذ في عام             .2005   
حدّد بروتوكول( كيوتو) أهدافًا تتمثل في تقليص انبعاثات غازات الدفيئة والحد منها للبلدان المتقدمة والبلدان في مرحلة التحول لاقتصادات السوق. ووافقت هذه الدول على تخفيض إجمالي انبعاثات ستة من غازات الدفيئة بمتوسط (5%) دون مستويات عام 1990 في الفترة من (2008-2012). حيث دخل بروتوكول (كيوتو) حيز التنفيذ في 16 فبراير 2005 ووقع عليه حتى الآن (192) دولة.

وضع اتفاق كوبنهاجن السياسي في عام 2009 ومؤتمرات كانكون (2010) وديربان (2011) والدوحة (2012) الأسس اللازمة للتصدي لتداعيات التغيرات المناخية بهدف الحد منها, حيث أكّدت الأطراف في عام 2011 عزمها على إبرام اتفاق جديد بشأن المناخ في عام 2015، بغية دخوله حيّز التنفيذ في عام 2020.

تشهد الأرض ومنذ فترة طويلة ما يعرف بالتغير المناخي, الذي من أهم مظاهره ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب زيادة معدلات الاحتباس الحراري, ومن المعروف أن الدول الصناعية هي المسئولة الأولى عن التلوث البيئي بسبب ما تنتجه من غازات الدفيئة الضارة, حيث تأتي أمريكا في المرتبة الأولى ثم تليها الصين في المرتبة الثانية, وبنسبة تتجاوز 40% فيما يتحمل بقية العالم المسؤولية عن أل60%.

استحوذت قضية تغير المناخ بقوة على اهتمام العالم خلال هذا العام وانعكس ذلك في بذل جهود دولية حثيثة للاتفاق على إجراءات فعالة تحد من انبعاث الغازات المتسببة في ارتفاع حرارة الأرض والآثار المترتبة عليها, وبالرغم من أن الدول النامية(الأشد فقراً) الأقل إنتاجاً لهذه الغازات لكنها سوف تكون الأكثر تعرضا وتأثراً بنتائج التغير المناخي, لكونها تفتقر لسبل المكافحة والوقاية منه. ونظراً لذلك احتضنت باريس (قمة الأمم المتحدة للمناخ2015 ), في دورتها ال21 , والتي يحضرها أكثر من 150 رئيس دولة, سيحاول المشاركون في هذه القمة التي تعقد في ضاحية( لوبورجيه) شمال باريس, إعطاء نفس جديد لمكافحة ظاهرة التغير المناخي, وسيتحدثون عن الأمن الغذائي والمياه, لما يشكلان من تهديد للبني التحتية والنشاطات الاقتصادية في مختلف دول العالم, لا سيما البلدان الفقيرة.

يشكل مؤتمر باريس حول التغيرات المناخية منعطفاً مهماً في تاريخ البشرية, حيث تتضافر الجهود للحفاظ على كوكب الأرض بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المدمر للبيئة. ويهدف المؤتمر إلي تحقيق:

1-لسعي لإبرام اتفاق دولي يسمح باحتواء الاحتباس الحراري في العالم بحدود درجتين مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.

2- استعراض الجهود المتخذة من الدول المختلفة, بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وتحديد مساهمة كل دولة في هذا المجال.

3- تمويل برامج مكافحة التغيرات المناخية, حيث اتخذت بعض الإجراءات من خلال رسملة الصندوق الأخضر بمبلغ (9.3) مليار دولار, دفعت فرنسا منها ما يقارب مليار دولار.

4- السعي لتوفير (100) مليار دولار سنوياً اعتباراً من عام 2020 لمساعدة الدول النامية لتعزيز جهودها في الحد من آثار التغيرات المناخية.

5- دعم المبادرات المقترحة على مستوى هيئات كل دولة, من الجماعات المحلية  ومنظمات المجتمع المدني والحكومات المحلية, كفاعلين غير دوليين ومساهمين في تعزيز التزامات الدول في مجال التقليل من انبعاثات غازات الدفيئة, والتأقلم مع آثار التغيرات المناخية والتمويل.

*تهديدات وتحديات التغيرات المناخية:

إن مظاهر ودلائل التغير المناخي والاحتباس الحراري الخطير نعيشها ونرى تأثيرها المدمر ووقعها المؤثر متضاعفاً عاماً بعد عام في أنحاء العالم, وهو يشمل التحديات والمخاطر الطبيعية الآتية:

- التحدي الأول: إلزام الدول الصناعية على اعتماد التقنيات منخفضة الكربون والحد من التلوث البيئي, وتقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري (فحم- بترول- غاز).

- التحدي الثاني: إن استمرار التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الجو وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري قد تسبب في انتشار ظاهرة الصوبة الجوية في مختلف قارات العالم.

- التحدي الثالث: التهديد المتزايد لتغير المناخ على إمدادات الغذاء العالمية, والتحديات التي يطرحها على الأمن الغذائي والتغذية.

- التحدي الرابع: الأحداث المناخية المتطرفة الأكثر تواتراً, مثل الجفاف والأعاصير, يمكن أن تؤثر سلباً على التجارة عن طريق تعطيل وسائل النقل, وسلاسل التوريد والخدمات اللوجستية.

- التحدي الخامس: تقديم التمويل اللازم للدول النامية (100) مليار سنوياً, لتعزيز جهودها في الحد من آثار التغيرات المناخية.

- التحدي السادس:استمرار اتساع ثقوب الأوزون, خاصة فوق القطب الشمالي مما يهدد حياة وصحة الإنسان والحيوان والنبات في مختلف أرجاء العالم ويخل بالتوازن البيئي والدورة الحياتية الطبيعية ويفجر الكوارث البيئية والتغيرات المناخية المهلكة.

- التحدي السابع:استمرار ذوبان طبقات الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وكذلك ذوبان وانهيار جبال الثلج العائمة في الشمال مما ينتج عنه مباشرة ارتفاع في منسوب المياه في المحيطات والبحار, وتهديد الحياة البحرية والجوية واختفاء العديد من المدن والقرى الساحلية وتشريد الآلاف وضياع الكيانات العمرانية والطبيعية.

يؤمل أن يفضي مؤتمر باريس إلي اتفاقية ملزمة لجميع دول العالم, وبخاصة الدول الصناعية ودول الاقتصادات الناشئة, باعتماد تنمية اقتصادية خضراء صديقة للبيئة لا تلحق ضرراً بصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى على حد سواء.

يشير (جيم يونغ كيم) رئيس مجموعة البنك الدولي إلي الآثار المترتبة على تغير المناخ, ويرى فيه خطراً مباشراً ينذر بضياع مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس خلال العقود الماضية, لا بل يؤكد أن ثمة إمكانية لبلوغ هدف خفض انبعاثات الغازات الضارة إلي مستوى الصفر بنهاية القرن الحالي, وان مثل هذه الحلول ستعود بالنفع على أشد الناس فقراً وحرماناً في العالم.

دعا الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة (بان كي مون) في كلمة افتتاح أعمال القمة الأممية حول التغيرات المناخية بمشاركة (150) من قادة الدول في أكبر اجتماع عالمي إلي التحرك على وجه السرعة للتعامل مع التهديدات والتحديات التي يبرزها التغير المناخي, مشدداً على ضرورة السعي لتقليل انبعاث غازات الدفيئة, كما طالب قادة العالم بتبني اتفاقية عالمية حول التغير المناخي سيتم وضعها في مؤتمر باريس الدولي للتغيرات المناخية. كما دعا أيضا تحالف علماء يضم باحثين في التغير المناخي من  17مؤسسة بحثية علمية عالمية, قادة دول العالم إلي التوقيع على خطة عمل من ثماني نقاط خلال محادثات الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي وهي كالتالي:

-1 كبح ارتفاع درجة حرارة الأرض إلي أقل من درجتين مئويتين.

-2 الحفاظ على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في المستقبل تحت سقف ألف جيجا طن.

 -3إيجاد مجتمع خال من الكربون بحلول عام 2050.

-4 مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة.

-5 الأبحاث التقنية والاختراع.

-6 إستراتيجية عالمية للتعامل مع خسائر وأضرار التغير المناخي.

-7 حماية النظم البيئية التي تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون مثل الغابات والمحيطات.

 -8توفير تمويل مالي للدول النامية لمواجهة التغير المناخي.

وتشير التقارير المختلفة إلى الكثير من الكوارث الاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، تواجه ولاية كاليفورنيا وللعام الرابع على التوالي أسوأ موجة جفاف منذ (100) عام، أرغمت (38 مليون) نسمة من سكان كاليفورنيا على خفض استهلاك المياه بنسبة (20%)، وتسببت في هلاك (12.5) مليون شجرة في غابات الولاية العام الماضي، مخلفة وراءها كمية ضخمة من الأخشاب الجافة التي يمكن أن تندلع فيها النيران بسهولة في موسم حرائق الغابات في موسم الصيف، حتى أن عالم الأحياء في هيئة الغابات الأمريكية (جيفري مور) أشار إلى أنه في بعض الأماكن هناك نسبة هلاك للأشجار تصل إلى (100%). وبحسب جريدة الجارديان البريطانية فقد ازداد معدل حدوث الكوارث الطبيعية بما في ذلك العواصف والفيضانات والموجات الحارة خمسة أضعاف منذ عام 1970. تقدر بعض التقارير الخسائر الناجمة عن التغيرات المناخية نحو (400) مليار دولار سنويا.
ومن هنا يكتسب مؤتمر باريس للمناخ أهمية استثنائية في سبيل التوصل إلى اتفاقية ملزمة، تحدُّ ليس من التغيرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية فحسب، وإنما  في تكريس وتحقيق التنمية كخيار وحيد لإنقاذ كوكب الأرض.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد