أفصحت قرارات اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، على اثر انعقادها الأسبوع الماضي عن قدر كبير من التعقل والتأني للجنة، فهي تضمنت تأجيل عقد جلسة الوطني ثلاثة أشهر أخرى، بعد أن كانت مقررة حتى نهاية العام الجاري، وذلك لمزيد من التحضير، حسب ما أعلن رئيس المجلس الوطني  «أبو الأديب» سليم الزعنون ، والذي برأينا لا يقتصر على التحضير الفني، ولكن بانتظار جملة من التطورات السياسية الداخلية والخارجية، التي ستحدد وجهة ومن ثم طبيعة قرارات جلسة الوطني القادمة والتي ستكون في منتهى الأهمية. 
بيان اللجنة نص على ضرورة مشاركة كل من « حماس » و»الجهاد الإسلامي» في الجلسة القادمة للمجلس الوطني، ولكن لم يفصح البيان عن طبيعة تلك المشاركة التي تتطلع لها قيادة (م ت ف) ذلك أن مكان انعقاد المجلس، كذلك المقدمات التي ستأخذ بوجهته ستحدد طبيعة ومستوى وحجم وشكل تلك المشاركة. من تحت الطاولة وتحصيل حاصل يمكن القول بأن أعضاء حركة حماس في المجلس التشريعي ( 74 + 4 ) هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني، الذي يتجاوز عدد أعضائه السبعمائة عضو، ومن الطبيعي أن ترحب حركة فتح التي تسيطر على المجلس الوطني وكل مؤسسات (م ت ف) بمشاركة هؤلاء، لأن تلك المشاركة لن تؤثر على طبيعة قرارات المجلس التي ستكون وفق أهواء «فتح» في حين أن مشاركة هؤلاء ستضفي مشروعية وطنية على الجلسة. 
إذن، المقصود هو مشاركة كاملة وفق قاعدة الشراكة السياسية، وهذه بحاجة إلى مقدمات سياسية، لذا كان التأجيل برأينا، لأن الأطراف الداخلية لم تتفق بعد على برنامج الشراكة بعد، وكذلك انتظارا لتطورات سياسية خارجية. مشاركة قادة «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في جلسة المجلس القادمة، تتطلب أولا عقد الجلسة في مكان آخر غير رام الله ، لأنه يستحيل على خالد مشعل و رمضان شلح ورفاقهما دخول الضفة الغربية، لذا لا بد من اختيار عاصمة عربية أو غزة _ إن أمكن _ ويا حبذا لو كانت غزة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد _ وتتطلب ثانياً عقد الإطار القيادي قبل المجلس، للاتفاق على كيفية اختيار أعضاء مؤتمر المجلس، وما سيخرج عنه من قرارات سياسية، ذلك انه حتى الآن، ليس لـ «حماس» من عضوية في المجلس سوى أعضاء «التشريعي» وليس لـ «الجهاد» أحد، فهل يعقل أن تشارك الحركتان كضيوف على الجلسة؟! 
المستجد الذي حدث خلال شهرين _ أي منذ تأجيل عقد جلسة الوطني التي جرى التحضير لها منتصف أيلول الماضي، أي عشية ذهاب الرئيس محمود عباس لإلقاء كلمة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ارتكزت على التحذير من إقدام الجانب الفلسطيني على وقف العمل باتفاقات أوسلو، ومعاملة إسرائيل بالمثل، ذلك التأخير الذي جاء بناء على رغبة الكل الوطني بمنح وقت من اجل مشاركة «حماس» و»الجهاد» في جلسة «الوطني» أي منح خيار الوحدة الداخلية فرصة أخرى، كذلك منح واشنطن والمجتمع الدولي وقتاً إضافياً لتدارك ما يمكن تداركه قبل أن تنزلق الأمور في القدس والضفة الغربية وتخرج عن سيطرة الجميع _ هو اندلاع الهبة الشعبية فعلا، والتي وإن كانت حتى اللحظة، لم تخرج عن سيطرة الجميع، إلا أنها أعطت تحذيراً، ما زال بعد شهرين، لم يحسم _ برأينا على الأقل _ لا مسألة الوحدة الداخلية، ولا الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم أن الهبة، قد أوجعت الإسرائيليين، فهي أولا أخرجتهم من أحلام اليقظة التي ناموا عليها أكثر من عشر سنين، أي منذ انسحابهم من غزة، والذي جاء بعد الانتفاضة الثانية، والذي كان يعني «التضحية بغزة مقابل الاحتفاظ بالقدس والغور وأراضي الضفة «، ثم هي _ حتى الآن _ أي قبل أن تتطور إلى انتفاضة ثالثة تفرض الوحدة الداخلية اولا، ومن ثم تفرض الانسحاب الإسرائيلي دون شروط، نجحت في تجاوز عثرات الانتفاضة الثانية، التي اعتقد الإسرائيليون خلالها بأن غزة صاعق التفجير، وان أية مواجهة ستكون مسلحة، بما يؤدي إلى سحق الفلسطينيين، بل إن الهبة أثبتت نجاعتها رغم أن الإسرائيليين استخدموا أقصى درجات العنف منذ اللحظة الأولى.
حتى الآن، سقط أكثر من مئة شهيد فلسطيني، لكن لم تعد الخسائر من جانب واحد، وتكفي هنا مقارنة تشير إلى أن المواجهات السابقة كانت فيها نسبة الخسائر البشرية في الجانب الإسرائيلي لا تتجاوز 2_3 % من الخسائر البشرية في الجانب الفلسطيني ( مثال حربي 2012، 2014 على غزة )، خلال الهبة اقتربت خسائر الإسرائيليين من 20% من الخسائر البشرية في الجانب الفلسطيني.
وبسبب من عدم وجود مواجهة مسلحة، وإن كانت عنيفة، فان الخسائر الفلسطينية على الجانب الاقتصادي لا تقارن بخسائر غزة _ مثلا، في حروب أعوام 2008 / 2009، 2012، 2014.
رغم أن الإسرائيليين أحدثوا إصابات كثيرة تجاوزت الآلاف، وكذلك قاموا باعتقال المئات، بهدف وقف الهبة وعدم تطورها لانتفاضة ثالثة.
أي أن الهبة حتى الآن تحدث حراكا سياسيا في الشأن الداخلي والشأن التفاوضي دون أن تنجح في حسم أي منهما خلال شهرين من اندلاعها، وبانتظار تطور الأمور ميدانيا وسياسيا، هناك أشهر ثلاثة أخرى فارقة، بحيث يمكن القول بان كل ما يحدث إنما يجعل الجميع في منتصف الطريق، فالهبة كانت حلا وسطا بين «فتح» و»حماس» وكانت في الوقت ذاته تلويحا وتحذيرا للإسرائيليين، لكن الأمر لن يستمر هكذا، والتدرج يأخذ الجميع إلى حيث لم يكونوا يرغبون، لكنه يأخذهم في نهاية الأمر، هذا إذا لم يفعلوا هم شيئاً، يضع حلا لحالة غير طبيعية قائمة، إن كانت تلك الخاصة بالاحتلال أو تلك الخاصة بالانقسام. 
Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد