يبدو أن قرار القيادة التركية بالإيعاز لطائراتها الحربية بإسقاط الطائرة الحربية الروسية من طراز سوخوي 24، كان قراراً خاطئاً ومتسرعاً، وانه لم يخضع لقراءات وحسابات سياسية صحيحة. بصرف النظر عما إذا كانت الطائرة الروسية قد انتهكت الأجواء السيادية لتركيا، لخمس دقائق أو خمس ثوان، أو انها، حسب الرواية الروسية تعرضت لكمين تركي، فإن المسألة خرجت عن بعدها القانوني الذي لم يعد له أية قيمة في حساب التداعيات التي أعقبت الحادثة.
القيصر الروسي فلاديمير بوتين، لا يقبل من حيث المبدأ الصراع مع السلطان العثماني رجب طيب اردوغان ، إذ ليس هناك مجال للمقارنة بما لا يدعو لمنازلة الغلبة الحاسمة فيها للقيصر، ولكن القيصر عبّر بأقسى الكلمات عن غضبه حين اعتبر ما جرى طعنة في الظهر لا يمكن أن تمر مرور الكرام.
ربما كان بالامكان تجاوز الحدث، أو تخفيف حدة الرد الروسي لو أن السلطان العثماني بادر مباشرة إلى إبداء الاعتذار والأسف لكنه عاند ورفض معتقداً أن انتماء تركيا لحلف الأطلسي سيشكل لبلاده حماية قوية تردع أي رد فعل روسي لكن هذا لم يحصل. 
صحيح أن حلف الأطلسي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية عبر عن تضامنه مع تركيا كعضو، ولكن هذا التضامن مشكوك فيه، ولم يظهر فيما مضى من وقت، أن الحلف يمكن أن يخفف عن تركيا ما يمكن أن تتخذه روسيا من إجراءات عقابية لا تزال لم تبلغ نهاياتها.
أليس دليلاً على الضعف تصريح اردوغان، المتأخر الذي عبر فيه عن ألمه لوقوع الحدث، وبأنه كان يتمنى لو لم يقع ثم ينتظر أن يتكرم عليه القيصر بوتين بالموافقة على لقائه خلال قمة المناخ في باريس، وبعد أن رفض القيصر الاستجابة لمحاولات اردوغان الاتصال به هاتفياً بضع مرات؟
لا تدرك القيادة التركية أن الدول الأساسية في حلف النيتو غير متفقة على استراتيجية موحدة لمكافحة الارهاب، أو حتى للتعاطي مع الدور الروسي في سورية فالدول التي ضربها الارهاب مثل فرنسا، واطلق تهديداته اليها في دول أخرى، قد باتت بحاجة للمشاركة مع روسيا في رفع مستوى مشاركتها وجهدها في مقاومة الارهاب، الذي تتجند روسيا لمحاربته في سورية، ومستعدة لملاحقته في العراق. 
لا نريد أن ندخل في الأسباب المباشرة التي تقف وراء قرار القيادة التركية بالتعرض للقاذفة الروسية وإسقاطها، ولكن بصرف النظر عن الأسباب المباشرة، فإن هذا الفعل يؤشر على سياسة تركية رافضة للتدخل الروسي، واستتباعاً رافضة لأي قرار يتجه نحو الحسم القوي والسريع مع الارهاب.
مفارقة غريبة أن من ضرب الارهاب عاصمتها أنقرة، لا تزال توفر طريقاً لحركة الارهابيين، وطريقاً لإمدادهم بالسلاح إذ قامت القاذفات الروسية خلال الأيام القليلة الماضية بقصف عدد من الآليات التي تنقل السلاح من تركيا إلى سورية، وفي الوقت ذاته تبدي اعتراضها على الدور الروسي وهو الوحيد الذي يتبنى استراتيجية عمل حاسمة ضد الارهاب.
تركيا لم تدرك أبعاد الجرح الذي أصاب الدب الروسي، إلاّ بعد أن تعرضت لإجراءات روسية قوية بعضها يتعلق بالعلاقات بين البلدين وهي علاقات تنطوي على مصالح متنوعة للطرفين لكن روسيا هي الأقدر على استيعاب وامتصاص سلبياتها، وبعضها الآخر لوجستي حيث أخذت القاذفات الروسية تحرث الأرض حرثاً في المناطق الحدودية بين سورية وتركيا.
ليس هذا وحسب بل ان تركيا لم تعد قادرة على حماية التركمان الذين تعتبرهم في شمال سورية، امتداداً لها و»دفرسوارها» في سورية، والذين يشكلون فصائل تعمل هي الأخرى ضد النظام وأصبحوا هم ومناطقهم وفصائلهم تحت رحمة القصف الروسي دون أن تجرؤ تركيا على قول كلمة واحدة تضامناً معهم.
إسقاط الطائرة الروسية يشكل علامة فارقة إذ إنها عززت، وحسمت التوجه الروسي نحو تجنيد المزيد من الامكانيات العسكرية والتدميرية لحسم المعركة مع تنظيم الدولة، والمجموعات الأخرى في سورية، وان هذه الحادثة عجلت من اتخاذ روسيا قرارها بدخول مرحلة الدمار الشامل.
روسيا زجّت بالمزيد من الطائرات، وكثفت طلعاتها وقصفها في كل مكان، وحركت عدداً من القطع الحربية البحرية فضلا ًعن نشر منظومات صواريخ اس300 واس400، دون أن تهتم بأي اعتراضات من قبل دول النيتو، وكان ذلك أمراً جللاً في ظروف وأوقات سابقة.
الرد الروسي على إسقاط طائرة السوخوي، لا شك أنه يحمل رسالة قوية جادة، ستصل إلى أطراف ودول عديدة في المنطقة والعالم، من شأنها أن تجبر بعض الأطراف على إعادة بناء حساباتها خصوصاً بعد أن أظهرت الولايات المتحدة ضعفاً وتراجعاً إزاء حماية حلفائها والمراهنين عليها من دول المنطقة. 
المشهد يتغير بصورة دراماتيكية لصالح النظام في سورية وحلفائه، ونحو إرغام الولايات المتحدة على الانسحاب من هذه المنطقة، بعد فشل مخططاتها التقسيمية.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد