بالأمس الغريب وفي زمن الإدارة المدنية كان ينظر الفلسطينيين إلى القضاء كجزء من أجهزة دولة الاحتلال فقد كان نادرا جدا إن يلجأ المواطن إلى القضاء نتيجة لهذه الصورة النمطية وقد تدخلت عدة عوامل لمعالجة القضايا والأزمات بين أبناء المجتمع منها العشائري والسياسي الأمر الذي خلق العديد من دوائر القضاء البديل وتطورت هذه المسألة في زمن الانتفاضة الأولى والتي عايشها اغلبنا بل وكان بعضنا جزء منها فقد انيطت هذه السلطة بشكل كامل لنشطاء الانتفاضة وبدأ الشبان يقضون بين المتخاصمين دون دراية او معرفة بأصول التقاضي وقد تعايش المجتمع مع هذه المسألة التي كان لها بعض الايجابيات والكثير من السلبيات لسنا بصدد تحليلها أو الحديث عنها.

وانتقل الفلسطينيين من هذه الحالة  الى وضع اسس لسلطة فلسطينية تحكم المجتمع وتتولى ادارته والاشراف عليه وانتقلنا الى مرحلة جديدة توسمنا جميعا بها الخير فقد ان الأوان أن يعيش الفلسطيني بكرامة على وطنه وآمن على نفسه وممتلكاته مطمئنا إلى حقه.

وبدأ العهد الجديد في غزة واريحا وانتقلنا بعدها الى تأسيس أول مجلس تشريعي فلسطيني منتخب وبدأت العملية التشريعية وصدرت مجموعة من القوانين الناظمة للمجتمع وأسست الأجهزة الأمنية والإدارية وتشكلت الحكومات وبدأ الحلم الفلسطيني يكبر شيئا فشيئا أملا بتحقيق حلم الدولة.

ومنذ ان قررنا خوض هذه المرحلة فقد قبلنا بالرهان وآمنا انه وعلى الرغم من بقاء المحتل أننا قادرون على البناء وعلى الرغم من كل العقبات والعراقيل كان يجب علينا النهوض من تحت الركام والوقوف وبكل عزيمة وإرادة للإثبات للعالم اجمع ان الشعب الفلسطيني قادر على حكم نفسه يستحق ان يعامل كباقي شعوب الأرض بان يحصل على دولته وكيانه المستقل سيدا في وطنه وان نثبت لشعبنا ان تضحياته لم تذهب ذرو الرياح فها هم ابنائه يثبتون انهم قادرون على تحقيق المنشود.

ولتحقيق هذه الأحلام ولبناء الأوطان فلا بد أن يسود العدل ويقاوم الظلم فنحن من اكتوينا بظلم المحتل دهور فكيف لنا ان لا نبحث عن العدل وإشاعة الأمن ورفض الظلم فلا بد من تلمس حاجات المواطن إلى قضاء عادل نزيه حر مستقل قادر فاعل (ليحق الحق ويبطل الباطل) والملاحظ ان هذه الغاية لم تكن على سلم أولويات السلطة الفلسطينية فقد تأخر الأمر كثيرا للبدء بتنظيم السلطة القضائية مما كرس ثقافة الانتفاضة الأولى وعزز ثقافة القضاء البديل واضعف دور السلطة القضائية الوليدة,ثم جاءت الانتفاضة الثانية لتنسف ما تم بنائه على هذا الصعيد.

وانني في هذا المقام احمل المسؤولية كاملة عن ضعف السلطة القضائية للاحزاب والقوى السياسية التي دعمت هذه الممارسات وبكل قوة في اطار صراعاتها الداخلية بل وساهمت بنقل هذه الحالة الى اجهزة السلطة الامنية والمدنية فها هي الدولة تمتنع عن تنفيذ قرارات المحاكم بل وتمارس الالحاق والترهيب بحق السلطة القضائية.

وقد تجلى اثر هذه الحالة على هرمية وبناء السلطة القضائية فأصبح تعيين القضاة يخضع للفحص الامني والسياسي مما اضر وبشكل كبير بثقة المواطن بالقضاء وشوه صورته وافقده الكثير من هيبته.

ثم جاء الانقسام السياسي ين شقي الوطن ليزيد الطين بله وان اهم اسباب هذا الانقسام هو فقدان الثقة بالقضاء وسلطته وحيدته أولم تكن الأزمة في بداية الأمر أزمة قانونية سرعان ماتحولت إلى أزمة سياسية.

وبعد كل ما حدث يبقى السؤال كيف يمكن تحقيق العدالة وصيانتها والاحتكام لها وهل الأدوات والوسائل المتبعة الان كفيلة بإخراجنا من هذه الأزمة؟!!

وللإجابة على هذا السؤال لابد من التطرف لما يلي:-

اولا:- تعزيز ثقافة القانون:

وضعت القوانين بكل أنواعها لتنظيم المجتمع وحمايته من الجريمة وتنظيم العلاقات والمعاملات بين افراده وبالتالي فان غياب الثقافة القانونية يعني بالضرورة شيوع ثقافة الفوضى والانفلات ولتحقيق هذه الغاية يجب ابتداء على مؤسسات الدولة وأجهزتها الالتزام بنصوص القانون وتطيقها التطبيق الصحيح, حيث ان الدولة التي تسمح لافرادها خرق القانون والنظام لايمكنها باي حال من الاحوال تطبيق القانون على مواطنيها وبالتالي على القيادة السياسية أن تتوفر لديها النية والإرادة لفرض النظام والقانون على أجهزتها اولا وبكل قوة وعزيمة حتى تثبت للمواطن ان القانون والنظام هما اساس العلاقة فيما بين الافراد والمؤسسات, اما ان يبقى المواطن يشاهد يوميا ان من يصدر القانون يخالفه ومن يناط به تنفيذه يتجاوزه فلن نصل بأي شكل من الاشكال للوعي القانوني وتعزيز الثقافة القانونية للافراد والجماعات.

ثانيا:- اصلاح الجهاز القضائي:

لايخفى على احد ان من اسباب تردي مفهوم العدالة هو الحالة التي يعيشها الجهاز القضائي فلم يعد خافيا على احد ان ادارة هذا الجهاز تعاني ازمة حقيقية فلم يعد هناك فرق بين ادارة الجهاز القضائي وبين العمل القضائي فقد اختلطت المفاهيم ولم يعد هناك فاصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فاحداهما تأتمر بأمر الاخرى,ناهيك عن الحالة التي تعيشها النيابة العامة فلم يعد مقبولا ان تبقى سلطة التحقيق وسلطة الاتهام بيد واحدة فالسلطة المطلقة هي مفسدة  مطلقة.

ثالثا:- الرؤية التشريعية ودور المجلس التشريعي:

ان الملاحظ ان  تغيب المجلس التشريعي قد خلق حالة من الإرباك والتشتت وأسس لجمع السلطات بيد واحدة بل وعزز ثقافة الانقسام وزاد الفجوة بين شقي الوطن فالتشريعات الاستثنائية اصبحت هي الاساس سواء لحاجة او بدونها والاخطر من هذا كله هو عدم وجود رؤية تشريعية واضحة فلا يوجد لدى أي طرف من اطراف منظومة العدالة خطة او رؤية واضحة للتشريع الامر الذي ادى الى عشوائية كبيرة جدا في حالة التشريعات الصادرة مؤخرا وعدم انسجامها مع منظومة التشريعات السارية الامر الذي يلحق ضرر بالغ على حقوق وحريات الافراد والجماعات وحالة من عدم الاستقرار القانوني والقضائي.

رابعا:- اشراك جميع اطراف منظومة العدالة في استرتيجية واحدة:

 ان حالة الصراع التي تعيشها اطراف منظومة العدالة من قضاء ونيابة عامة ونقابة محامين ووزارة عدل ومحاولة السيطرة التي تحاولها بعض الجهات كان لها اثر سلبي على تطور هذه المنظومة وتقدمها بل على العكس فان ما تشهده هذه الايام هو تراجع كبير على صعيد هذه المنظومة فان بناء استراتيجية واضحة ومتفق عليها بين اطراف هذه المنظومة سيخلق حالة من التعاون لتحقيق الاهداف الوطنية المشتركة  تنعكس على طبيعة العلاقة بينها وهذه ما نعتقده لذا فانني ادعو لعقد مؤتمر مشترك لهذه الاطراف بالسرعة الممكنة للخروج باستراتيجية مشتركة لتطوير منظومة العدالة.

خامسا:- الغاء نظام القضاء البديل ومحاربة مراكز القوة:

في كل يوم يتعزز دور القضاء الموازي من خلال التجاوزات العديدة لاجهزة الامن وظاهرة تدخل المحافظين في شتى مناحي الحياة حتى وصلت الامور للتدخل في الحياة الزوجية للمواطن وكذلك تدخل التنظيمات والفصائل ونمو نفوذ العشائر الامر الذي يضعف وبشكل كبير دور القضاء النظامي من اخذ دوره في المجتمع والسب الحقيقي لنمو هذه الظواهر هو ضعف الاداء الرسمي وتغلغل مراكز القوة سواء داخل اجهزة الدولة او خارجها.

وبالنتيجة ايها السادة ولتعزيز صمود شعبنا على ارضه والاستمرار في نضاله في مقاومة المحتل لابد من الاهتمام بالجبهة الداخلية وتوحيدها وتعزيزها وتعزيز ثقة المواطن بمؤسساته والشعور بالعدل من اهم مقومات الانسجام والتناغم بالجبهة الداخلية حيث يلعب القضاء النزيه الفاعل القادر على محاسبة الجميع الدور الرئيسي بتعزيز الانتماء للوطن والدفاع عن قضاياه.

وبناء عليه فان الخطوات لتحقيق ذلك تبدو بعيدة فلا زالت السلطة التنفيذية تعتبر القضاء احدى مزارعها ولا زالت الدولة هي من تشجع على ثقافة الفوضى والفلتان بخروجها على القانون ولازال المواطن لايثق بقضائه ولازالت الصراعات سيدة الموقف في منظومة العدالة القضائي.

                                                                        

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد