أبدينا، معشر صحفيو غزة ، تفهماً على مدى سنوات من عمر الانقسام للغياب عن المحافل الإعلامية التي تنعقد في الضفة الغربية، وكان تفهمنا رهين بالظروف التي طرأت والتغيرات التي أعقبت ظهور الانقسام، وكان أخوة لنا من أعضاء النقابة في الضفة الغربية يبدون كبير الأسف في كل مرة لغيابنا عن محافلهم، بل وكانت كلماتهم في تلك الفعاليات مستهلة بالحنين إلى غزة وزملائهم فيها، وكان تصفيق الحضور يعلو وسط نبرات فيها ألم وحسرة كلما عنّ لمتحدث أن يتوقف عند مفردة "غزة"، وكنا نُكبِرُ هذا المسلك ونجله ونقدره، ونقول عسى أن تحمل لنا الأيام القادمة ما يشفي صدورنا بعد كل هذا الصبر وكل هذه المعاناة. وقفنا، معشر صحفيو غزة، بصلابة أمام محاولة تقسيم جسم نقابة الصحفيين إبان سنوات الانقسام البغيض، وقاتلنا على كل الجبهات كي يبقى جسم النقابة هو الممثل الشرعي للصحفيين الفلسطينيين على امتداد مساحة الوطن، ومنعنا على الدوام كل صوت نادى بالجغرافيا أو اقترب منها في لهجته وخطابه، وكانت أصواتنا ترتفع بالتهم في حق كل من سوّلت له نفسه أن يتحدث بمنطق الجغرافيا فيما يتعلق بأي علاقة مهنية كانت أو وظيفية أو نقابية بين شقي الوطن، واعتبرنا من يناقش بهذا الاتجاه هو "دعيُّ ومرتزق وخارج عن الصف"، وبالتالي حقيق بنا أن نتوقف عند كل من يمارس سلوك الجغرافيا تحت أي مبرر كانت أعذاره. انعقد في اليومين الماضيين مؤتمر "التغطية الإعلامية للصراعات في الحروب"، ونظمته نقابة الصحفيين الفلسطينيين (فرع الضفة الغربية) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، والغريب أن نقابة "عبد الناصر النجار" قد اهتمت بعمل كل الترتيبات والتنسيقات اللازمة لحضور وفود دولية إلى المؤتمر، ولم تعر غزة وأهلها وصحفيوها بالاً، بل وتعاملت مع فرع غزة من النقابة على أنه (لا شيء)، في سلوك من الرعونة والخبث واللئامة بمكان، ووفق منطق جغرافي بغيض، لا يرتضيه عاقل ولا وطني ولا ذو ضمير، والمزعج هنا أكثر أن "نقيب صحفيي الضفة الغربية" لا يلام بقدر لومنا للاتحاد الدولي للصحفيين الذي سمح بأن يُزج اسمه في مؤتمر استبعدت فيه طاقات الصحافة في غزة بالكلية، ولا حتى بتمثيل شكلي أو شرفي أو استرضائي، فقنصلية الولايات المتحدة عندما تأتيها تعليمات بلقاء الصحفيين الفلسطينيين تبادر إلى دعوة صحفيي الضفة الغربية و القدس ومثلهم من قطاع غزة، بينما لا يجتهد "فريق النجار" لعمل تنسيق ولو لصحفي واحد من قطاع غزة لحضور الحدث، في رسالة يبعث بها النجار إلى الكل الصحفي الغزي بأنهم على الهامش وليسوا ضمن الأجندة وأنهم مجرد ملحق وسلة أصوات يحتاجها النجار لتجديد ولايته نقيباً للصحفيين، وأقولها له اليوم "لسنا رجالاً ولا نملك من الوطنية شيئاً إن حصلت بعد اليوم على صوت غزي، إلا من أولئك الذين ارتضوا على أنفسهم أن يساموا كالبضاعة الرخيصة في مزادات الانتخابات". "مؤتمر للتغطية الإعلامية للصراعات في الحروب"؟؟، وهل يوجد سوى صحفيو غزة كي يتحدثوا في أمر كهذا، مع تقديرنا لعطاء وصمود وكفاح صحفيي الضفة الغربية، لكن من عاشوا وغطوا ونقلوا الصوت والصورة وواجهوا الموت آلاف المرات في انتفاضتين وثلاثة حروب متعاقبة هم صحفيو غزة وحدهم، وكل من في المؤتمر يعي هذه الحقيقة، فأين كانت غزة يا عبد الناصر النجار، نعلم أن اهتمامك انصب على الجلوس على المنصة، وإلقاء كلمة في افتتاح المؤتمر، لتقدم سرداً عن خبراتك ومهنيتك ووطنيتك وإنجازاتك غير المسبوقة في عالم الصحافة، ونعلم أن آخر ما كنت تفكر فيه هو حضور الغزيين إلى مؤتمرك. نقول للنجار وزمرته "هيهات منا الذّلة"، وإن لم تكن لصحفيي غزة كلمة فصل في هذا السلوك الجغرافي المقيت، فلا شرف لنا في حمل بطاقة نقابة الصحفيين بعد اليوم، فمن يرتضي الهوان عليه أن يدفع كل الأثمان، ونحن واجهنا المحتل وسياساته طوال عقود، ولن نعدم وسيلة كي لا نراك بعد اليوم في موقع أعطاك الحق في استبعاد قامات تعرف عن مهنة الصحافة وقت الأزمات ما تحتاج إلى عمرين مثل عمرك كي تبلغ نصفه. ألا هل بلغت اللهم فاشهد
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية