مبادرة مد محطة الكهرباء بغزة بالغاز بانتظار الموافقة الاسرائيلية

محطة توليد الكهرباء بغزة

غزة / سوا / عقدٌ من الزمانِ مرَّ، ولم تُسدل الستارة بعد، عن مسلسل معاناة المواطن الفلسطيني من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي بمعدل ثماني ساعات يوميًا، وخلال تلك الفترة وُجدت العديد من المبادرات التي تُسهم في تخفيف وطأة المعاناة، لكنها استنزفت قدرات مالية دون أن تُقدم تخفيفًا واضحًا؛ ما دعا بعض الجهات الدولية التي تُمول مشاريع إستراتيجية في القطاع لأن تُقدم حلاً جديدًا، باستثمار الحالة الإنشائية لمحطة التوليد التي صُممت على أساس تشغيلها بالغاز الطبيعي، ومحاولة إقناع الجانب الإسرائيلي بضرورة السماح بمد أنبوب غاز من الأراضي المحتلة لمحطة التوليد.

خبراء أكدوا لصحيفة الحدث الاقتصادية المحلية أن المبادرة القطرية بتشغيل محطة التوليد بالغاز الطبيعي في حال موافقة الجانب الإسرائيلي، وتقديم التسهيلات لتنفيذ الإجراءات التشغيلية اللازمة تحتاج أربعة أعوام تقريبًا للتجهيز للبدء بعدها بالعمل والمساهمة في إنتاج 120 ميغاواط، وهي الطاقة الإجمالية لمحطة التوليد، بالإضافة إلى ما يتم شراؤه من مصر وإسرائيل من شأنها أن تُخفف فعليًا أزمة الكهرباء التي يُعانيها المواطن الغزي منذ عقد كامل.

مبادرة.. بانتظار قرار إسرائيلي

وطفت المبادرة القطرية إلى السطح، مع تجدد أزمة الكهرباء في أيلول/ سبتمبر الماضي، والتي وافقت آنذاك مع تواجد السفير القطري محمد العمادي في القطاع، أملاً في إيجاد حل إستراتيجي للمشكلة، بخاصة في ظل دفع اللجنة القطرية أموالاً طائلة على سبيل توفير الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد وإمداد القطاع بالكهرباء لساعات وصل طويلة نوعًا ما، وأعلن رئيس سلطة الطاقة، عمر كتانة، أنهم بعد المناقشة والموافقة المبدئية من الاحتلال الإسرائيلي، عمدوا إلى إعداد المُخططات لمذكرة التفاهم الخاصة ببناء خط لتزويد محطة توليد الكهرباء في غزة بالغاز الطبيعي، لافتًا إلا أنهم لم يتلقوا ردًا من الجانب الإسرائيلي حتى اللحظة، وكشف عن اجتماع للجانبين في الأسبوع الأول من ديسمبر القادم، سيُحدد إما بدء تنفيذ الإجراءات على الأرض أو إرجاء المشروع، وقال في تصريح مقتضب لـ"الحدث": "ننتظر بأمل أن يتمخض اللقاء القادم عن خطوات إيجابية من شأنها أن تُخفف معاناة المواطن".

ومن جانبه، يأمل المتحدث باسم سلطة الطاقة في قطاع غزة، المهندس أحمد أبو العمرين: أن يُترجم القبول المبدئي من قبل إسرائيل عمليًا على الأرض ببدء إجراءات التنفيذ ومدّ أنبوب الغاز، وأكد في مقابلة مع "الحدث"، أن تطبيق المشروع ممكن ويسير، خصوصًا أن المحطة قد تم تصميمها بداية للعمل على الغاز الذي تم اكتشافه بالقرب من سواحل القطاع.

ويُقدر حجم الطاقة المتوفرة لأهالي القطاع بـ(210) ميجاوات تُشترى من الاحتلال، وقرابة (32) ميجاوات، تُشترى من الجانب المصري، فيما تُنتج محطة التوليد فقط (60) ميجاوات أي ما يُعادل نصف قدرتها الإنتاجية الكاملة تقريبًا، فيما يُقدر احتياج القطاع من الطاقة –حسب أبو العمرين- بـ(400) ميجاوات؛ ليتم وصل بيوت ومنشآت القطاع بالكهرباء 24 ساعة، وأضاف أن المشروع سيُقلل عجز الكهرباء في القطاع بنسبة (40-50)% وعملية إنشائه للاستفادة منه قد تستغرق 4 سنوات.

فيما كشف نائب رئيس سلطة الطاقة في غزة، فتحي الشيخ خليل عن وجهة أنبوب الغاز، فأشار لافتاً إلى أن أفضل طرق مد خط الغاز إلى محطة التوليد هو أن يربط بين مصر وإسرائيل عبر البحر المتوسط؛ كونه لا يبعد أكثر من 5 كيلومترات عن شاطئ بحر غزة، مُشددًا على استعداد قطر والاتحاد الأوروبي لتمويل المشروع أملاً في تخفيف معاناة المواطنين، خاصة وأن خط الغاز سيتوفر بشكل دائم، وسيتجاوز معاناة عدم إدخال الوقود بسبب إغلاق معبر كرم أبو سالم بين الحين والآخر.

وحول تكلفة مشروع مد خط الغاز، أكد أن التكلفة ما زالت تقديرية، وتحديدها بشكل دقيق سيكون بعد تحديد مسار خط الغاز الموجه إلى محطة التوليد في قطاع غزة، لافتًا إلى ضرورة التأكد من الجدوى الاقتصادية أولاً، وكشف أن حكومة الوفاق حصلت على تمويل بقيمة (10) ملايين دولار للبدء بإنشاء الخط على أن تستكمل التمويل مع انتهاء كل مرحلة وبدء أخرى.

لماذا الآن؟!

وحول الأسباب التي دعت إسرائيل لأن تُبدي تقبلها مؤخرًا للفكرة التي طالما نُودي بها منذ عام 2008، قال المحلل الاقتصادي د. معين رجب: إن الأسباب لا تبعد عن حالة الخشية من انفجار الأوضاع مجددًا في القطاع في ظل القيود الشديدة على تفاصيل المعيشة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في القطاع، مؤكدًا أن إسرائيل تُحاول تنشيط المشاريع الاقتصادية والاستثمارية في القطاع؛ لكي يكون لدى الفلسطينيين هناك ما يخافون لأجله ويحسبون له قبل الولوج إلى إشعال ساحة المقاومة في أي اعتداء قادم، بالإضافة إلى اطمئنانها لعدم استخدام الغاز الطبيعي في تصنيع صواريخ المقاومة، وفي السياق ذاته، أوضح رجب، أن الموافقة المبدئية من إسرائيل على المشروع تأتي في إطار التخلص من تهمة حصار غزة التي واجهتها منذ عقد من الزمن، بالإضافة إلى رغبتهم الاقتصادية في جني أرباح من بيع الغاز للفلسطينيين.

صعوبات فنية

وأشار المحللون الاقتصاديون الذين التقتهم "الحدث"، إلى بعض المشكلات الفنية التي قد تعوق تنفيذ المشروع سريعًا إذا ما تمت الموافقة الإسرائيلية فعليًا، وأعطت الضوء الأخضر لقطر والاتحاد الأوروبي بالتنفيذ على الأرض، وأشار هؤلاء إلى أن الانقسام السياسي قد يُطل برأسه في حسم الجهة التي ستدفع ثمن الغاز المستورد من إسرائيل، تمامًا كما هو الحال في دفع ثمن السولار وضريبة "البلو"، وقال المحلل الاقتصادي مُعين رجب: "ما زالت الضريبة المفروضة على السولار المُشغل لمحطة توليد الكهرباء محل خلاف وجدل كبيرين بين السلطة وحكومة حماس في القطاع"، ولا يستبعد رجب أن تُعطل هذه الإشكالية سير المشروع إن لم يتم التوحد والتوافق عمليًا لا شفهيًا.

إسرائيل غير جدية

من جانبه، تحدث الخبير الاقتصادي رامي عبده، لـ"الحدث" عن عظم التحديات التي يواجهها مشروع تشغيل محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة بالغاز الطبيعي، مؤكدًا أن الموافقة الإسرائيلية لا تتضمن سهولة إجراءات التنفيذ، خاصة في ظل سجل التنصل الطويل الذي امتهنته إسرائيل في تعهداتها مع الفلسطينيين، واستبعد عبده جدية إسرائيل في تنفيذ الاتفاق واقعًا عمليًا سريعًا، مشيرًا إلى أن التصريحات الإسرائيلية بالتلويح بالموافقة بين الحين والآخر ما هي إلا فقاعات إعلامية بحتة، وقال: "إسرائيل غير معنية بتخفيف الحصار عن القطاع بل تلجأ إلى استخدام احتياجات القطاع الإنسانية والأساسية كورقة ضغط للحصول على تنازلات فلسطينية"، وتابع أن الحلحلة في تنفيذ المشروع ستكون بطيئة.

وشدد عبده على أن تشغيل المحطة على الغاز، وإن كان سيؤدي إلى عملها بكامل طاقتها، فإنه لن يُحل أزمة الكهرباء كليًا بل جزئيًا، لافتًا أن الأمر قد يتحسن ليصل عدد ساعات وصل الكهرباء إلى (12-16) ساعة فقط، لأن احتياجات القطاع من الكهرباء تفوق القدرة الإنتاجية للمحطة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد