من المرات القليلة، أن يوافق الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن الدولي على قرار يتعلق بالحرب على تنظيم الدولة (داعش) والجماعات والحركات التي يصنفها قرار مجلس الأمن على أنها ارهابية ذلك أن السحر قد ارتد على السحرة.
بعد العمليات الارهابية التي وقعت في لبنان، ومصر وفرنسا، والعاصمة المالية باماكو، والمعلومات التي تتوارد لدى العديد من العواصم الغربية، بعد هذه العمليات، أصبح من الصعب على المتواطئين مع الجماعات الارهابية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.
أمام الرغبة في الموت، والقتل، والانتقام لا توجد حواجز، ولا تنجح أي إجراءات أمنية أو غير أمنية في أن تمنع وقوع عمليات في أي مكان على هذه الكرة الأرضية، بما في ذلك من يعتقدون أنهم محصنون إزاء هذه الظواهر التي يتمدد وجودها، ويصبح خطرها عابراً للدول والقارات.
اليوم فقط يكتشف العالم الذي يدعي بأنه وطن الحرية، بأنه ليس حراً، وأن سياساته واستراتيجياته الاستعمارية، والأنانية ستضطره لأن يخضع أمام حرية آخرين في اختيار الموت والانتقام ولأن يبرر سياساته الإجرامية، بتحميل المسؤولية للإسلام والمسلمين. يتجنب عن قصد العالم الحر، أن يوسع دائرة قرار تعريف ومحاربة الإرهاب لكي يشمل الارهاب الحقيقي، وهو ارهاب الدولة المستند إلى قيم وقوانين العنصرية والتمييز، والرغبة في الاحتلال ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني.
إذاً هي ليست الحرب على الارهاب أياً كان مصدره، وأياً كانت مسوّغاته ومسمّياته، وحتما هي حرب على ارهاب من نوع معين، تم استخدامه في الأصل من أجل تدمير وتفتيت الدولة القومية العربية، وتنفيذ ما يمكن تسميته سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين خدمة لمصالح إسرائيل وأمنها، ولتكريس هيمنة الولايات المتحدة على خبرات ومقدرات ومصائر شعوب هذه المنطقة.
تنظيم الدولة لا يخفي أهدافه التي تخرج عن نطاق المنطقة العربية والإقليم، لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ما يعني أنه آجلاً أم عاجلاً، سينتقل إلى ساحات الغرب الرأسمالي، وفي أحيان قليلة يتحدث الناطقون باسمه عن أنه سيتفرغ يوماً للعمل ضد إسرائيل.
على أن الضغوط الشديدة التي تعرض لها تنظيم الدولة في سورية، بعد التدخل الجوي الروسي، والخسائر التي مني بها في الميدان، قد عجّلت في الانتقال للعمل في الخارج، ليس من باب صرف الأنظار عما يجري في سورية والعراق فقط وإنما لتوسيع دائرة المعركة، وتشتيت الجهود الدولية المركزة على سورية والعراق.
على أن هذا الخروج لتنظيم الدولة نحو توسيع المعركة يدل أيضاً على الأزمة الحقيقية التي يخضع لها التنظيم الذي ينحسر وجوده وتنحسر فعاليته أمام الضربات الجوية الروسية وتقدم قوات النظام السوري.
يعلم الجميع أن الكثير من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة في الرقة السورية، قد بدؤوا بإرسال وتأمين عائلاتهم، إلى الموصل شمال العراق.
الآن يدرك العالم، الذي يتعرض لتهديد الإرهاب، الذي خلقوه لتدمير سورية والاطاحة بنظام الاسد، بأن ما أرادوه وفعلوه كان سيرتد يوماً عليهم وانهم سيعودون عن محاولاتهم لإسقاط نظام بشار الاسد، حيث وجدوا أنفسهم في ذات المربع الذي يقاتل فيه النظام السوري.
الآن يتحدث وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن احتمالات تقدم المفاوضات على طريق التوصل لاتفاق بشأن عملية سياسية ناجحة دون إقصاء الرئيس بشار الأسد، تبدأ بعملية انتقالية مرحلية.
الرئيس الأسد كان قد أبدى استعداده لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، يمكن أن ت فتح الطريق أمام تحولات مهمة في الصراع، غير أن ثمة مشكلة تحتاج من الأطراف الدولية والإقليمية الاتفاق عليها وهي من هي أطراف المعارضة التي ستكون طرفاً في المفاوضات والعملية السياسية.
التدخل الروسي هو الذي أحدث الفرق، وفرض على القوى الدولية التحول عن مخططاتها الجهنمية، والانخراط في عمل جدي لمحاربة الأدوات التي عولت عليها في تنفيذ مخططاتها.
لاحظوا الفرق بين التدخل الروسي في سورية، وتدخل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة في العراق. هذا الفارق هو الذي يجعل تركيز القوى الدولية الآن ويبرر صدور قرار من مجلس الأمن، بما يستهدف تنظيم الدولة في سورية على الرغم من أن هذا التنظيم يحقق نجاحات كبيرة وملموسة، وظهر بقوة أكبر في العراق وليس في سورية.
ألا يعني هذا الفارق بأن الولايات المتحدة الأميركية التي تقود التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة في العراق، وقالت إن النجاح يحتاج إلى أكثر من ثلاث سنوات، بأن هذا التحالف الدولي لم يكن جدياً في مقاومته لهذه الظاهرة، وأن حربه وتحالفه كان يتم بالتظاهر فقط لتنفيذ أجندات ومصالح ومخططات استعمارية للولايات المتحدة؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية