القرار الرسمي الإسرائيلي بإخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون يشكل نقلة نوعية في تدهور منظومة الحكم نحو المزيد من العنصرية والتمييز ضد كتلة قومية كبيرة، هي صاحبة الأرض والتاريخ والحق. لسنا بحاجة إلى تحليل مسوّغات القانون، فالحركة التي تم اقتحام مكاتبها ومؤسساتها واعتقال عدد من قياداتها، لا تتبنى ممارسات سياسية يمكن أن توصف على أنها «ارهاب» وفق المعايير المعمّمة، فلا هي تتبنى العنف، ولا تخطط أو تتآمر لإسقاط السلطة الحاكمة لا عن طريق الانتخابات، ولا بوسائل أخرى.

من الواضح أن حكومة المستوطنين لم تعد تحتمل نضال الفلسطينيين من مواطني دولة إسرائيل، حتى وإن كان شعارهم الأساسي، تحقيق المساواة، ما يدعو للاعتقاد بأن هذه الحكومة تدفع الأمور نحو خوض معركة شاملة ضد كل الفلسطينيين أينما كانوا. القرار الإسرائيلي الذي دخل حيز الممارسة ويعني ملاحقة آلاف اعضاء وانصار الحركة الإسلامية، هو مجرد مقدمة، لتوسيع دائرة الإقصاء والملاحقة للمزيد من الأحزاب والحركات السياسية المنظمة في أراضي عام 1948. بدون أن ندخل في المسميات، والتحديد، فإن ثمة حركات فلسطينية أخرى تتبنى السياسات ذاتها التي تتبناها الحركة الإسلامية المحظورة، ولكنها ليست حركات إسلامية، فهل مشكلة السياسة الإسرائيلية هي مع الإسلام السياسي، أم مع الحركات السياسية الجذرية؟ الأمر ينطوي على خطورة كبيرة في الحالتين، فإن كان الهدف مواجهة الحركات الإسلامية، فإن إسرائيل تكون قد اتجهت نحو إضفاء البعد الديني على الصراع، وأما إن كان الهدف مواجهة أي حركة سياسية تحمل مشروعاً جذرياً في مواجهة المشروع التوسعي الإسرائيلي.
إسرائيل بهذا القرار، الذي اختصت فيه حركة سياسية قوية فلسطينية، وتجاهلها لجماعات وأحزاب إسرائيلية، واستيطانية متطرفة جداً، وارهابية، تكون قد نقلت المعركة ضد الفلسطينيين إلى الداخل، بعد أن كشفت عن حقيقة مخططاتها تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
عن حقيقة مخططاتها ضد الأراضي المحتلة عام 1967، تعزز إجراءاتها وممارساتها وسياساتها على الأرض، ما أشار إليه نتنياهو في تصريحه، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن حين أشار إلى إمكانية الانسحاب أحادي الجانب من أجزاء من الضفة الغربية. بالضبط هو مشروع شارون الذي طرحه حين تم انتخابه لرئاسة الحكومة عام 2001 حين تحدث عن حل مرحلي بعيد المدى، ثم أوضح بالخرائط أنه يعني الانسحاب من 42% من اراضي الضفة، والاحتفاظ ب القدس كلها.
إخراج الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح، يعني أن إسرائيل الماضية في مخططاتها تجاه القدس والضفة الغربية، قد بدأت تحضر الميدان للبدء تدريجياً في تنفيذ المرحلة الثانية من المخططات الإسرائيلية، التي تستهدف التطهير العرقي لمواطنيها من الفلسطينيين والهادفة إلى تطبيق مقولة الدولة اليهودية مع أقل قدر ممكن من السكان والمواطنين غير اليهود.
إزاء التداعيات العاجلة والمباشرة للقرار الإسرائيلي من الواضح أن إسرائيل الداخل ستشهد موجة كبيرة من الاحتجاجات، والمواجهات، التي تتجاوز ربما ما شهدته إسرائيل خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الماضي، بالتوازي مع اندلاع الموجة الانتفاضية في الضفة الغربية.
كان أحد المسؤولين الإسرائيليين قد قال في وقت سابق، إن إسرائيل ستكون قادرة على فرض الهدوء وقمع الانتفاضة، إذا تم تحييد حركة فتح، والجماهير العربية في إسرائيل، وها هي الحكومة الإسرائيلية بقرارها تقحم الفلسطينيين في إسرائيل عنوة، إلى ميادين المواجهة الصعبة التي حذر منها هاليفي رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية. هاليفي سبق له أن قال بأن المعركة في الجبهة الداخلية هي أصعب المعارك، وأشدها خطورة، ما يعني أن الحكومة المتطرفة، تتجاهل نصائح أجهزة الأمن خاصتها، والتي حذرت مجدداً من قرار الحكومة الأخير.
في وقت سابق أشرنا إلى أن السياسات الإسرائيلية الارهابية وتصعيد الإجراءات العقابية الجماعية ضد المنتفضين هي واحدة من ضمانات استمرار هذه الموجة الانتفاضية وتصاعدها. الآن وبعد قرار حكومة المستوطنين أصبح من الواضح أن سياساتها تؤكد ضمانة استمرار واتساع نطاق وتداعيات هذه الموجة الانتفاضية بدون أن تكون قادرة على تسويق ادعاءاتها بأن الرئيس والسلطة، يحرضان على ما تسميه الارهاب.
السلطة ورئيسها والفصائل بريئة من كل الادعاءات الإسرائيلية التي تتحمل وحدها المسؤولية عن تأجيج الصراع، والانتقال به إلى مربع الصراع الواسع، الجذري والمفتوح. ولكن يتضح، أيضاً، أن نتنياهو استمد هذه «الجرأة»، والمغامرة بعد لقاءاته بالرئيس الأميركي، وطاقم إدارته، الأمر الذي يجعلهم شركاء في الجريمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد