هل ثمة تحريض يفتقد لأبسط معايير الإنسانية، من ذاك الذي دعا له وكتب عنه يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل هيوم» صحيفة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده نتنياهو ويترأس ائتلافه الحكومي.

كتب عميدرور مقالاً تحت عنوان «اجعلوهم معاقين لا أمواتا» عن شباب فلسطين الذين يتقدمون صفوف المقاومة ضد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وضد ميليشيات المستوطنين الذين ينشرون الخراب والحرق وتدمير حياة المدنيين الفلسطينيين في القدس والضفة وسائر المناطق، حيث يتطوع هؤلاء الشباب بأدوات بدائية معبرين عن رفضهم لبقاء الاحتلال، واعين للفشل المتراكم، وعدم القدرة في تحرير أرضهم واستعادة كرامتهم بوسائل التفاوض مع الإسرائيليين تحت الرعاية الأميركية لمدة تزيد على عشرين عاماً، ولذلك تجاوزوا قياداتهم، وبادروا مندفعين بال حماس والاستعداد العالي للتضحية ومفعمين بالأمل أن تحقق خطواتهم ما يجعل الاحتلال مكلفاً، وبهدف نيل الحرية والكرامة مثل كل شعوب الأرض، وإلا فحياتهم لا قيمة لها أمام عدو مدجج بالسلاح مثلما هو مليء بالكراهية والحقد على كل ما هو عربي ومسلم ومسيحي.
وها هو يعقوب عميدرور يعبر عن ذلك بوضوح بالغ، مالكاً الشجاعة – الوقاحة لأن يقول ما قاله في ظل توفر المناخ الملائم، والتربية الخصبة، والسياسة المقبولة لدعواته في عدم قتل حاملي السكاكين بل بجعلهم «من المعاقين» حتى يكونوا عبرة للآخرين ونموذجاً للعقوبة الدائمة في الحياة.
يقول يعقوب عميدرور على صفحة «إسرائيل هيوم» العبرية يوم 13/11/2015: «ليس صحيحاً قتل هؤلاء من حاملي السكاكين، بل من الأفضل جعلهم معاقين يُعانون طول الوقت، ولا يتحولون إلى رمز للأجيال القادمة، لأن هذا المجتمع الفلسطيني الذي يحب الموت ويفخر به، سيفشل في منح الرعاية لأولئك المعاقين الذين كانوا سيحصلون على المجد في حال موتهم».
وتفسير عميدرور يقوده لعرض أسباب أخرى لدوافع دعوته في العمل على إعاقة شباب السكاكين وليس قتلهم، كما يسميه «أفضلية المصاب على الميت»، فيقول إضافة إلى السبب الأول، يضاف إليه الموضوع المهني المفيد أمنياً وهو «يمكن التحقيق مع المصاب لمعرفة من أرسله، وإذا لم يرسله أحد، فيمكن معرفة دوافعه «ويذهب إلى السبب الثالث وهو» عندما يكون بالإمكان إحباط حامل السكين من خلال إصابته وليس قتله فيجب تفضيل ذلك، وكلما تقلص عدد القتلى في الطرف الفلسطيني، كان موضوع الدعاية أمام العالم أكثر سهولة بالنسبة لنا كإسرائيليين».
فهل ثمة تلاعب بحياة البشر أكثر من هذا الانحدار غير الأخلاقي وغير الإنساني، ما قاله الكاتب الإسرائيلي عميدرور لم يكن صدفة ولا يعكس فقط عقلية الكره والعنصرية والاستهتار بحياة البشر باعتبارهم من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، بل جاءت أقواله رداً غير مباشر على تقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي» التي دانت الجريمة البشعة التي قام بها جيش الاحتلال باقتحامه للمستشفى الأهلي في مدينة الخليل وإعدام الشاب عبد الله الشلالدة بدم بارد واعتقال ابن عمه المصاب الذي يرقد في المستشفى على سرير الشفاء بحجة الاشتباه بتنفيذ عملية طعن في نهاية شهر تشرين الأول 2015.
فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية قال، «إن القوات الإسرائيلية لديها تاريخ طويل في تنفيذ عمليات القتل غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وإن ارتفاع عدد الهجمات التي يشنها الفلسطينيون على إسرائيل منذ بداية شهر تشرين الأول لا يعطي أي عذر لقوات الجيش والشرطة الإسرائيلية باستخدام القوة المميتة حين لا يقتضي الأمر ذلك».
ما قاله مسؤول منظمة «أمنستي» يُفسر دعوات عميدرور، فهو يسعى لتحقيق غرضين، أولهما تخفيف النقد الدولي على ممارسات جيش الاحتلال وأجهزته وميليشيات المستوطنين، ومن جهة أخرى يدعو إلى تنفيذ عمل يكون أكثر فائدة في معاقبة الفلسطينيين عبر جعل إصاباتهم مستديمة في الحياة لا تنتهي بالموت، بل تبقى حية ماثلة للعيان وحصيلتها أن طريق الفعل والنضال والتضحية لها ثمن باهظ يتكلفه الشاب الفلسطيني ستبقى ملاصقة مستديمة معه وله للأبد.
ولكن الذي لا يدركه يعقوب عميدرور أن الشباب الفلسطيني لا يبحث عن الخلاص من الحياة، بل يهدف إلى التخلص من الاحتلال ومشاريعه وآثاره لأنه المدمر لمعيشتهم، والمعيق لحياتهم، والمغتصب لأرضهم، والماس بكرامتهم، وما يقومون به هو تعبير عن الموقف في رفض الاحتلال ومشاريعه، مهما كان ثمن الرفض والفعل، حتى ولو كان ذلك ثمنه فقدان الحياة التي لا قيمة لها في معايير الإسرائيليين نحو حياة الفلسطينيين.
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد