"طباخ السم يتذوقه"، مثل شعبي رائج، يحدد بوضوح أن من يفتعل أزمة أو يساهم في صناعة مشكلة، فإنه بالضرورة أن يدفع ثمن فعلته، وأن يكتوي بلهيبها، على قاعدة "يا حافر جورة السوء يا واقع فيها"، وهذا بالضبط ما ينبغي أن توصف به الدول الغربية، فهي دول رعت في يوم من الأيام أشكال التطرف السياسي والديني والاجتماعي، بل واعتبرت أن رسالتها في الحياة تقتضي منها القيام بذلك، فإذا اصطدم "أبو قتادة" مع نظامه السياسي لا يجد مكاناً يسعه بعد الصدام سوى لندن، ومن ابتُلي بالشذوذ الجنسي لن يجد مكاناً يُؤيه سوى أمستردام، ومن اختلس أموال شعبه ومقدراته أثناء توليه المسؤولية لا يمكن أن يستأمن أحداً على ثروته المنهوبة نهباً من قوت الفقراء إلا في بنوك سويسرا، ومن جاهز بمعاداة نظامه السياسي وأقام في مواجهته "ثورة"!! فإن باريس هي المأوى المحتوم، وقبل كل ذلك وبعده، إن أراد أحدهم أن يوطد نفوذه ويعزز أطماعه فلا سبيل يُرتجى نفعه إلا الطريق إلى واشنطن.


درجت العواصم الغربية، في إطار سعيها لاستعباد الشعوب، ونهب خيراتها ومقدراتها، وتحديداً في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، على استضافة وايواء من تسميهم "النشطاء السياسيين"، من باب تكدير عيش الحكام، واشعارهم بأن كراسيهم تهتز من تحت أقدامهم، ومواصلة الضغط عليهم وابتزازهم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وبث الرعب في أوساطهم كي يتجنبوا اغضاب السادات في الغرب المتحرر!!، وهو أمر ساهم مع مرور الوقت بنشأة مجتمعات داخل هذه البلدان، تستوحش الغربة عن أوطانها من جهة، وتعاني من عنصرية التعامل في دول الإيواء، وتنهمك في إطار حالة اللا تكيف بالبحث في الغيبيات التي تقودها إلى التطرف السياسي والديني، وبالتالي ينقلب السحر على الساحر، وتدفع هذه البلدان ثمن تعاطيها منذ البداية مع قضايا المنطقة وملفات مواطنيها.


لم تواجه واشنطن أية صعوبات في إطار ما أسمته "الحرب على الإرهاب" في اصطياد رموز القاعدة في دولة مثل أفغانستان، لأنها كانت حليفتهم الطبيعية في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي السابق، وبالتالي كان عدو عدوي صديقي، ولما انتهت حقبة ووُلدت حقبة أخرى، أصبح ه1ا الصديق عدوّاً، ولما كان يتوجب عليها أن تدفع الثمن، أصيبت في مقتل في "حادثة مانهاتن" على يد حلفاء الأمس، وكذا حدث مع مدريد ولندن وبرلين ومؤخراً باريس، فبعد أن دعمت وساندت وحشدت لمواجهة النظام السوري، وتركت سوريا تُذبح، والبلاد تنهار، وكذا ليبيا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان، والان حان موعد أن تدفع الثمن، ومن الأيادي التي امتد لها الدعم الغربي بالتحديد، فالمسؤول الأول والأخير عن ظواهر التطرف في كل أنحاء العالم هو الغرب نفسه، الذي كان يرفع شعار "بس تسلم راسي"، وها هو اليوم رأسه يُدق وبقوة لا تُحتمل.


لقد آن الأوان أن تنظر دول الغرب إلى الظلم الواقع على شعوب المنطقة، وأن تقرر مواقفها بموضوعية وحياد تجاه أشكال المعاناة التي يدفعها البسطاء من أجل أن تنعم دول الغرب ومواطنيها بالرفاهية اللازمة، وأن تتمتع بأسعار نفط "منطقية" بحيث يصبح برميل النفط العربي أرخص كثيراً من زجاجة عطر فرنسية، وبدون أن تعيد هذه الدول حساباتها، وتجتهد لإعمال العقل والعدل والحزم لحلحلة قضايا الإقليم، فإنها ستظل تعيش دوامة الخوف والرعب والترقب في انتظار ضربات أخرى قادمة لا محالة لو لم تستقيم أحوال الناس الذين كانوا آمنين قبل أن تعبث يد الغرب في أوطانهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد