بعد ظهور حجم التفاعل والمشاركة في انتفاضة القدس ، التي أبداها فلسطينيو مناطق الـ 48، أي من صمدوا في وطنهم الذي أقيمت عليه إسرائيل، مطلع الشهر الفائت، ظهر مستوى ما أظهره فلسطينيو ما يسمى بالشتات، بمناسبة إجراء مباريات « الفدائي « في عمان، العاصمة الأردنية، في مباراتي المنتخب الوطني الفلسطيني مع كل من السعودية وماليزيا.

جاءت الذكرى السابعة والعشرون لإعلان الاستقلال الفلسطيني ليظهر قطاع غزة توقه لإعادة الوحدة والتوحد بين جناحي « دولة الـ 67 «، أو بين قطبي السلطة الفلسطينية، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ما يعني بأن الشدائد، عادة ما تعيد البريق لمعدن الذهب المجبول منه الشعب الفلسطيني، ورغم أن ذكرى إعلان الاستقلال جاءت بعد «مناكفة» حمساوية لفتح، بمنع الاحتفاء بذكرى رحيل الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات في مكان مفتوح، إلا أن بادرة حماس بتسليم منزل الراحل الشخصي لمؤسسة ياسر عرفات من جهة، ووعي الشعب الفلسطيني وتجاوزه للصغائر، في مواجهة العدو الإسرائيلي، من جهة ثانية، جعلت تلك الواقعة وراء ظهر الجميع، بحيث أظهرت غزة ابتهاجا ظاهرا بذكرى إعلان الاستقلال، في الوقت الذي لا تكف فيه عن إبداء كل مظاهر المشاركة والدعم والإسناد للانتفاضة الفلسطينية الثالثة.

الأجواء إذن هي أجواء وحدة وطنية، من الواضح بأن انخراط الجميع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وراء شباب ما بعد أوسلو، يساهم في تحققها، تماما، كما حدث عام 1988 حين دفعت الانتفاضة الأولى المملكة الاردنية لإعلان فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية، ومن ثم فتح الباب لإعلان الاستقلال، وحيث أن مجلس الجزائر الوطني التوحيدي في نيسان 1987 كان احد دوافع اندلاع الانتفاضة، تخلق أجواء انتفاضة القدس الحالية أجواء الوحدة الوطنية، ذلك أن جميع الفصائل، وفي مقدمتها : فتح وحماس، تدرك بان لا الهبة ولا الانتفاضة، ولا عشر هبات أو انتفاضات يمكنها أن تحقق إجلاء الاحتلال عن القدس والضفة الغربية وفرض حل الدولتين أو فرض الدولة الفلسطينية المستقلة التي يريدها الكل الفلسطيني، ما لم يكن ميدان المواجهة مع الاحتلال موحدا،
وذلك بغض النظر عن مستوى الرؤية أو التطلع أو الهدف لهذا الفصيل أو ذاك، أي انه رغم انه يمكن القول بأن هذا الفصيل يريد هبة تفرض شروط الجانب الفلسطيني بالتفاوض، أو ذاك الفصيل الذي يريدها مواجهة مفتوحة، من اجل القدس تحديدا، لإثبات صحة برنامجه وسياسته، فان مجرد اندلاع الهبة الشعبية، فرض «وحدة» في أمرين : الأول _ هو الحفاظ عليها وعلى طبيعتها الشعبية، فليس هناك من ظهور فصائلي، وليس هناك من «فرز» تنظيمي للشهداء والجرحى والمعتقلين، ولا يكاد احد يعرف هوية احد من هؤلاء، بل ولا حتى إن كان منتميا لأحد الفصائل أم لا، ولا حتى في مراسم تشييع الشهداء تظهر رايات الفصائل.
والأمر الثاني _ هو حصر ميدان المواجهة، بما في ذلك تنفيذ عمليات مسلحة، داخل ملعب الاحتلال فقط، أي في القدس والضفة المحتلتين، لذا فان الأمر اختلف تماما عما كان عليه الحال سنة 2000، فرغم التجاهل الدولي لارتكاب إسرائيل جرائم حرب بممارسة القتل الميداني بحق الشبان والفتيات، إلا أن المجتمع الدولي بالمقابل لا يبدي أي تعاطف مع القتلى من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، حتى لو تخيلنا حدوث «عملية» استشهادية بحق هؤلاء الجنود وأولئك المستوطنين، لما كان هناك تعاطف دولي أو استنكار، كما كان يحدث قبل سنوات حين كان يجري تنفيذ مثل تلك العلميات وراء الخط الأخضر، أو داخل المدن الإسرائيلية ضمن حدود تلك الدولة المعترف بها دوليا.
من الواضح أيضا، بأن الفصائل الفلسطينية، وكما كان يحدث دائما، في لحظات المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي، لا تجد من احد معها، إلا نفسها، منذ اجتياح لبنان، مرورا بالانتفاضتين، الأولى والثانية، والآن، ومن الطبيعي أن تكون حماس قد أدركت بأن أحدا لا يمكنه أن يفك الحصار عن قطاع غزة، سوى الكل الفلسطيني، كما أن فتح لابد أن تكون قد أدركت بان إدارة العملية السياسية وحدها، فضلا عن إدارة السلطة منفردة، لا يمكن أن تحقق شيئا، وانه في ظل الانقسام، لن يكون بمقدور الرئيس محمود عباس ، بكل ما يظهره من حنكة سياسية ومن ضغوط على إسرائيل، أن يجبرها على العودة لطاولة التفاوض وفق الحد الأدنى من شروطه، دون أن يكون الى جانبه وربما من حوله، وفي ظهره، الكل الفلسطيني.
ومع انتهاء مصر من معاجلة الأنفاق، يمكن التقدم خطوة نوعية باتجاه إنهاء الانقسام، حتى يمكن للفرقاء الفلسطينيين أن يقدموا اكبر دعم لانتفاضة الشباب الفلسطيني، من خلال الاتفاق مع مصر على إدارة المعبر، تحت عباءة السلطة، وبعد اتفاق على التفاصيل بين فتح والسلطة من جهة وبين حماس وحكمها في غزة من جهة ثانية.
بهدوء، ودون صخب، ناقش الرئيس عباس هذا الملف ضمن ما ناقشه مع المصريين من ملفات خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، فمصر ما زالت تلقي الكرة للملعب الفلسطيني، فهي تشترط تسلم حكومة التوافق لمقاليد المعبر، وهي محقة بالطبع، أما حماس فهي قد حددت مطالبها بدقة هذه المرة، وهي اشترطت بقاء موظفيها المدنيين ( 60 موظفا ) الحاليين، وموافقة المصريين على سفر قياداتها دون منع، وضم موظفيها لهيئة المعبر حتى يتلقوا رواتبهم من السلطة، وتواجدا أمنيا على المعبر.
يمكن القول إذن، بأنه يمكن جدا التوصل لاتفاق حول هذه التفاصيل، من على قاعدة عدم التعامل معها كرزمة واحدة أو كملف مغلق، فمن غير المنطقي مثلا السماح لكل من يقول انه قائد من حماس على دخول مصر، وهذا أمر سيادي مصري، وله علاقة حتى بعلاقة حماس مع مصر في أي وقت قادم، كذلك، يمكن مراجعة ملفات موظفي المعبر من حماس، ودمج المؤهلين منهم، ومنحهم الدرجات الوظيفية أسوة بزملائهم الآخرين، كذلك يمكن التعامل مع «أمن» حماس الداخلي، على انه ينظم كمرحلة أولى سفر المواطنين، قبل أن يتم منحهم الموافقة النهائية على السفر عبر سلطة المعبر.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد