24-TRIAL- تحظى مؤتمرات فتح عادة باهتمام كبير وبتغطية إعلامية واسعة، ذلك لأن حركة فتح تشكل العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية ولها علاقاتها وصلاتها الواسعة كجزء من حركات التحرر العالمية والاشتراكية الدولية. وتلقى فتح، التي كانت انطلاقتها قبل 50 عاماً إعلاناً لانطلاقة الكفاح المسلح الفلسطيني كشرعية نضالية ووطنية وممثلة للنضال الفلسطيني، دعم وتأييد ومساندة حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والدول الاشتراكية والاتحاد السوفياتي والصين الشعبية في دعم كفاح الشعب الفلسطيني العادل لنيل حقوقه الوطنية الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
وإضافة إلى وصفها الحزب الحاكم، صاحبة مشروع الوطني المتمثل بحل الدولتين في اطار البرنامج المرحلي الذي تبنته منظمة التحرير في العام 1974، انعقد المؤتمر الخامس في ظل مد كبير للانتفاضة الشعبية الفلسطينية في الثامن من آب من العام 1989، وبعد عشرين عاماً عقد في مدينة بيت لحم في آب 2009، ولم تتحول فتح إلى حزب سياسي للسلطة، رغم تحولها من حركة سرية إلى حركة علنية، ولم تتخلَّ عن البرنامج الوطني الفلسطيني وعن المقاومة، وإن انتهجت طريق المقاومة الشعبية الجماهيرية، بل أكدت أنها حركة تحرر، وأن المرحلة التي مر بها الشعب الفلسطيني تطرح مهمات مزدوجة وطنية ديمقراطية يتطلب من فتح أن تزاوج بينهما.
الموعد والهدف  شدد الرئيس أبو مازن على "أن المؤتمر السابع للحركة سيعقد في موعده في شهر آب/ أغسطس المقبل"، والاعتقاد أنه سيكون في مدينة بيت لحم، وبذلك فقد حسم بشكل تام وقطعي ونهائي أي نقاش بخصوص الموعد حول التزامه القاطع بالوفاء بعقد المؤتمر بالموعد المتفق عليه منذ انعقاد المؤتمر السادس "المؤتمر سيعقد في شهر آب، لا تغيير ولا تبديل"، وفقاً لخطاب الرئيس في المجلس الاستشاري، وأعرب الرئيس عن أمله بأن يشكل هذا المؤتمر "انطلاقة فتحاوية هامة تسهم في نهوض الحركة"، وهذا هو هدف عقد المؤتمر، وليس الهدف فقط عقد المؤتمر في موعده دونما تحقيق انطلاقة مهمة للنهوض بالحركة وأوضاعها ومكانتها وتجديد قيادتها وضخ دماء جديدة شابة كما هو متوقع، وأن يكون لمؤتمر فتح السابع "علامة فارقة في تاريخ الحركة"، الأمر الذي سيشهد عودة قيادات مجدداً للأضواء، كما سيشهد خروجاً سلساً لقيادات أُخرى من الصف الأول، وذلك في ظل الحديث عن تجديد الدماء والنهوض بالحركة، إضافة إلى قيام الرئيس بقيادة التحضيرات للمؤتمر والإشراف عليها شخصياً لضمان نجاحه.
وهناك تشديد كبير على أن الأقاليم المنتخبة، وبشكل نزيه، هي التي ستأتي الى المؤتمر في إشارة إلى أن الأقاليم التي تتباطأ في إجراء الانتخابات قد تفقد فرصتها في إيصال ممثليها للمؤتمر، وهذا يشمل أقاليم الضفة التي تم إنجاز عشرة أقاليم منها، و غزة التي سيعقد أول مؤتمراتها خلال أُسبوع، وكذلك الأقاليم الخارجية، ومنها من انتخب ممثليه للمؤتمر مثل لبنان وغيرها من الأقاليم الخارجية، وأن الاقاليم التي ستشوبها عدم النزاهة في الانتخابات لن تكون جزءاً من المؤتمر، وستحرم نفسها من إيصال ممثلين لها للمؤتمر.
الثوري ينتخب المركزية اقترح الرئيس أن يتم انتخاب المجلس الثوري أولاً من أعضاء المؤتمر، والمنتخبون ينتخبون اللجنة المركزية، أي أن تكون هناك مرحلتان، لأن من يرشح نفسه على طريقتنا الأولى ويفشل (بتكون راحت عليه.. ضاع)، بينما في هذه الطريقة يكون هناك مرحلة أولى ومرحلة ثانية، وفيها نوع من التعقل، وفيها نوع من عدم الغوغاء والفوضى، والتعرف على بعضنا البعض. فأنا أَمَلي وأنا سأطرح هذا على اللجنة المركزية واللجنة التحضيرية، وأطرحه على المؤتمر". وقال الرئيس عباس إن "هذا الاقتراح يحتاج لتغيير الأنظمة، وهذا شيء سهل وحضاري، فهذه طريقة كل أحزاب العالم، ولدينا نحن الفلسطينيين يعني الشعبية وغيرها وكل المنظمات".
إن هذا الاقتراح يحول دون وجود تحالفات مسبقة يستفيد منها أعضاء من اللجنة التحضيرية على حساب المعايير، والاقتراح يجعل اختيار أعضاء اللجنة المركزية من داخل المجلس أكثر واقعية وذا قيمة، لأنه يجري بين مجموعة أقل عدداً، ويستند إلى معرفة أكثر بالأعضاء، فالمؤتمر السادس كان فرصة للتعارف بين كوادر الحركة بعد انقطاع عشرين عاماً، وتواصل بين الاجيال وساحات العمل الفلسطيني، وربما يكونون على دراية أكثر بمنجزات بعضهم البعض، والأهم أن لا يفاجأ الحضور بالعدد نفسه من المرشحين لعضوية المجلس الثوري كما حصل في المؤتمر السادس، الذي وصل إلى أكثر من ستمئة مرشح، تطلب تدخل الرئيس لترشيد الترشيحات، في حين لم يتقدم بطلب سحب ترشحهم إلا القليل، ومع ذلك فإن نظام الانتخاب الذي يشترط ضرورة انتخاب العدد كاملاً في ورقة الانتخاب يشكل حالة من التمحور، وحتى تكون الانتخابات اكثر ديمقراطية عادلة وممثلة لا بد من تقليل عدد المطلوب انتخابهم في ورقة الانتخاب إلى النصف.
النظام المقترح يلغي بلا رجعة مبدأ التعيين في الحركة، ويعزز بشكل كامل الخيار الديمقراطي والاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وبذلك يكرس ويعزز وحدة الحركة وبعدها عن التجنح والتشرذم وضد الاقصاء يحافظ على الكوادر المتقدمة في الحركة في مواقع القيادة في عضوية المجلس الثوري إن هي فازت بثقة المؤتمر، الأمر الذي سيعزز من مكانة ونوعية العضوية في المجلس الثوري، ويجعل من كل عضو في المجلس الثوري عضواً محتملاً لعضوية اللجنة المركزية، بدلاً من خروج وإبعاد وابتعاد الكوادر التي أخفقت في الانتخابات، وهذا ما حصل مع كثيرين من الكوادر التي خاضت غمار الترشح للانتخابات اللجنة المركزية، لا هي احتفظت بإمكانية الاحتفاظ بمقعد لها في المجلس الثوري، ولا هي استفادت من التعيين الذي أُقر في المؤتمر السادس بالسماح بتعيين أعضاء إضافيين في اللجنة المركزية بموافقة المجلس الثوري، والأمر نفسه السماح بتعيين أعضاء جدد في المجلس الثوري من خارج قائمة المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ.
وإذا كان كذلك، فإن طريقة الانتخاب الجديدة ستشكل عامل وحدة للحركة ورافعة نهوض، ولكن بشرط تجاوز كثير من الملاحظات التي وقعت في المؤتمر السادس، خاصة فيما يتعلق بعدد المشاركين الذي تضخم بشكل كبير وصل إلى 2400 عضو ممن تنطبق عليهم المعايير أو لم تنطبق من حيث السن، والتي يحددها النظام الداخلي لفتح بـ 28 سنة، أي عشر سنوات من تاريخ الانتماء للعضو الفاعل بسن الثامن عشر عدا المنتخبين من الأقاليم، وأن اقتراح تخفيض العدد إلى 1000 عضو غير قابل للزيادة، في حين أشار الرئيس عباس إلى وجود لجنة تحضيرية اتٌّفق على أن لا يزيد العدد عن 1000 ولا يقل عن 800، وأنه يتوقع "دعوات إلى زيادة العدد لـ 1050- 1100 حتى يصل 2000 جازماً أنه "لن يزيد على الألف وحسب قواعد ومعايير، وهذا ليس بالعدد القليل، ولكن الأهم أن يحمل صفة التمثيل لمؤسسات الحركة، وإلا فستصبح إدارة المؤتمر من كافة جوانبه موضع سؤال، فقد كان تحدي ادارة المؤتمر (كإدارة) أمراً مطروحاً خلال المؤتمر السادس بسبب كثير من الصعف في الإدارة، وكانت للحضور مداخلات متكررة بهذا الخصوص في المؤتمر السادس، وبذلك كان حديث الرئيس مشروطاً لخفض سقف التوقع إلا إذا أحسنّا التصرف. لا نريد لهذا المؤتمر أن يكون صراعاً ولا تنافساً ولا (تلحيماً) لبعضنا، لكن يجب أن يكون للنهوض بالحركة حتى ننجح في الانتخابات المقبلة، وإلا فسيكون إشارة سيئة للانتخابات، ونخسر الدين والدنيا، لذلك أملي أن يكون المؤتمر السابع علامة فارقة في تاريخنا.
رغم ان الامنيات وحدها غير كفيلة بإنجاح المؤتمر، لكن لم يخلُ خطاب الرئيس من التمني بأن ترتفع الحركة وأن يتم حماية الحركة، الأمر الذي يبين أن هناك تحديات كبيرة تواجه الحركة، وتبقى الحركة كبيرة (موحدة)، وكل ما في الأمر أننا سنرى الشرائح التي ستحضر المؤتمر وتقسم قسمه، وتناسب العدد المخصص لها وتنتهي القصة.
واجهت فتح تحديات كبيرة في المؤتمر السادس كما في الخامس كما في الرابع، ولن تكون تحديات المؤتمر السابع أقل من تحديات المؤتمر السادس الذي جاء بعد استشهاد الرئيس أبو عمار وخسارة فتح في المجلس التشريعي، وكذلك الانهيار الذي حصل في قطاع غزة عشية الانقلاب وعدم تمكن أعضاء فتح من الوصول للمؤتمر في مدينة بيت لحم بسبب منع حماس لهم من الخروج من قطاع غزة، والتحديات الحالية من نوع آخر ليس لأنه تم تجاوز التحديات السابقة، بل إنه قد زادت عليها تحديات جديدة متمثلة بتحدي تعثر المفاوضات، وحالة التجنح بالحركة مقابل وجود فرص جديدة بعد رفع مكانة تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، إضافة للمصالحة، كل هذا اضافة إلى استحقاقات انتخابية في إطار المصالحة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبذلك فإن نجاح المؤتمر في أن يصبح أداة نهوض سينعكس على ما هو لاحق، وأي إخفاق سينعكس حتماً ليس فقط على مستقبل الحركة، وإنما على المستقبل الفلسطيني بشكل عام.  213

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد