rn

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي بسبب الفقر والبطالة وغياب الديمقراطية وزيادة الظلم والاستبداد، حاولت تركيا فرض سياستها كأخ أكبر في المنطقة، والاستفادة من الاهتزازات الإقليمية التي تسببت في إحداث تغيرات في التوازن الاقليمي والدولي. إذا أنّ تركيا تتمتع بالاستقرار والأمن والقوة الاقتصادية التي تنعم بها، مقارنة بالقوى الإقليمية الأخرى في المنطقة كمصر وسوريا وليبيا واليمن الذين يعانون من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية حادة. تركيا انتقلت من دور المشاهد إلى لاعب رئيسي في الربيع العربي، وأصبحت داعمة لصعود الاسلام السياسي بل ومدتهم بالمال والسلاح في سوريا مثلًا، واتخذت كلا من المعارضة السورية والمصرية مقرًا لها من أنقرة، لأنّ تركيا تسعى وبشكل واضح إلى دعم المعارضة الإسلامية، إذ أنّ بوجود هؤلاء تستطيع تركيا حكم الشرق الأوسط بيد واحدة.

rn

ما حصل في الانتخابات البرلمانية يونيو 2015 لم يكن سقوط لحزب العدالة والتنمية، بل كان عبارة عن انتكاسة صحية. هذه الانتكاسة الصحية كانت مهمة جدًا لحزب العدالة والتنمية بهذه الفترة لكي يستيقظ جيدًا ويعيد حساباته خُصوصًا تحت قيادة ذكية للمرحلة كأحمد داوود أوغلوا الذي استفاد من الدرس سريعًا وساهم بشكل كبير في زيادة نسبة التصويت للحزب خلال انتخابات نوفمبر 2015، وأثّرت المواضيع والمشاريع التي وضعها داود أوغلوا في حملته الانتخابية على رأي الشارع، وذلك كونها تمس المواطنين بصورة مباشرة عندما حصر المواطن التركي فكريًا أنهُ الأقدر والأجدر على إحلال الأمن والاستقرار وجعل تركيا قوية. تلك الحملة الانتخابية ضربت على وتر حساس لدى الناخبين الذين ينتابهم قلق عميق إزاء العنف المتصاعد في المنطقة المضطربة.

rn

نعم، لقد انقلب السحر على الساحر. بالفترة الأخيرة وخصوصًا مع بدء الحرب السورية لم تعد تركيا تعمل بسياسة صفر مشاكل مع دول الجوار بل أصبحت هذه النظرية تتصادم مع المصالح التركية التي تسعى بكل وضوح لكي تكون دولة محورية في الشرق الأوسط، هذا السعي يجعل تركيا في طرف ضد الآخر. لقد أصبحت تركيا صانع أزمة وشريك أساسي في الحرب عندما أصبح الأمر يتعلق بالإسلام السياسي. تكلفة تدخل تركيا في الحرب السورية ودول الجوار كان باهظ جدًا، حيث خلق لديها أعداء جدد منها كداعش "بعد أن كانت حليفًا جيدًا لها"، وجدد توتر مع الأكراد بعد فترة من الهدوء وخلق مجموعة من الأزمات الداخلية لتركيا، وسبّب تراجعًا في الاقتصاد التركي، وقيمة الليرة التركية، هذا الأمر جعل جزء من الأتراك لا يشعرون بالرضى على السياسة الداخلية التركية أو الخارجية.

rn

التغير الاقليمي أصاب شخصية أردوغان بحالة من النشوة والغرور وأصبح يشعر أنه الخليفة الجديد للمنطقة، لكن لن تنجح محاولاته الحثيثة لتغيير الدستور والتفرد بالساحة السياسية وحده لأن عدد مقاعد حزبه في البرلمان هذه المرة لا تكفي لتمكينه من تمرير مشروعه الذي يهدف إلى تغيير الدستور ليتضمن توسيع صلاحياته عبر البرلمان بعد أن حصد حزب العدالة والتنمية بـ 316 مقعد، غير أن عدد المقاعد التي فاز بها تقل بـ 14 مقعدًا عن العدد اللازم للدعوة إلى استفتاء بشأن تغيير الدستور وزيادة صلاحيات الرئيس. ويحتاج الحزب 60 مقعدًا إضافيًا كي تتمكن حكومته من إدخال التعديلات على الدستور في البرلمان دون إجراء استفتاء.

rn

لكن ببساطة اللغة: انتصرت الديمقراطية وانتصر عرّاب السياسة التركية أحمد داود أوغلوا. هذا الرجل الذي ارتقى من فن إدارة الحزب إلى فن إدارة الدولة. على حزب العدالة والتنمية أن يدرك جيدًا أنه لم يعد اللاعب الوحيد الذي يستطيع رسم الخارطة السياسية لتركيا كما يريد، وعليه أن يعيد النظر في سياساته الداخلية والخارجية، وعلاقاته مع الأحزاب السياسية الأخرى، وعلى تركيا أن تبدأ بالانسحاب تدريجيًا من المشهد السوري والتدخل في شؤون دول الجوار. تركيا بحاجة إلى حكومة سياسية موحدة وقوية لمواجهة العنف والأزمة الداخلية التي تمر بها. على حزب العدالة والتنمية أن يعيد رسم سياسته بما يتناسب والأزمة، وكيفية الخروج الآمن بتركيا إلى بر الأمان خصوصًا بعدما أعطاه الشعب الثقة من جديد لقيادة السفينة. لقد عاد حزب العدالة والتنمية إلى صدارة المشهد السياسي بالديمقراطية وسيخرج ذات يوم إن فكر أن يحيد عنها ومارس ديكتاتوريته أيضًا بالديمقراطية.

rn

على حزب العدالة والتنمية استيعاب الأقليات فكريًا وثقافيًا ضمن المنظومة ككل والانفتاح عليهم بشكل أفضل وأن يضع خطة لكي يصبح الكردي جزء من النسيج التركي والقومية التركية. لو أُعطي الأكراد حقوقهم سينقلبون على حزب العمال الكردستاني الذي يدّعي دفاعه عن حقوق الأكراد في تركيا. يجب على الحكومة القادمة استخدام القوة الناعمة وإعطاء الحقوق للمواطنين الأكراد والعمل على القضاء على جذور المشكلة الكردية ولكن تحتاج إلى الخطط الاستراتيجية والخطوات الجادة.

rn

فلسطينيًا/ مدخل تركيا للقضية الفلسطينية هو مدخل ديني أيدولوجي ليس قائمًا على مواجهة اسرائيل بقدر نصرة مشروع الإسلام السياسي الذي بدأ بالتشكل في قطاع غزة منذ فوز حماس بالانتخابات البرلمانية، وبذلك نستطيع فهم مدى سعادة حماس بفوز حزب العدالة والتنمية. علينا أن ندرك جيدًا أن تعزيز العلاقة بين تركيا وحماس لم تكن على حساب سوء العلاقة التركية الإسرائيلية بالمطلق. تركيا تهتم بدعم حماس أكثر من المشروع الوطني الفلسطيني ككل وهي غير معنية بأي مواجهة أو صدام مع اسرائيل حتى ولو كانت سياسية. الناظر جيدًا لمدى التقارب بين تركيا واسرائيل يدرك حجم العلاقات الحيوية.

rn

لكن، هناك مجموعة من الأسئلة تنتظر الإجابة خلال المرحلة القادمة، هل يمكن أن يستمر أحمد داوود أوغلوا ورجب طيب أردوغان العمل في وئام سويًا؟ هل سيشعر أوغلوا بالتعب من العمل تحت وصاية وظل أردوغان؟ هل سينجح حزب العدالة والتنمية في حل الأزمة الكردية؟ هل سيستطيع حزب العدالة والتنمية القول لأردوغان "كفى" في انتهاجه لسياسة ""God-Father؟

rn

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد