سنبقى نناضل ضد الاحتلال بوجود القرار 1325 ودونه.. ناضلنا قبل صدوره ولا زلنا نفعل. سنستخدم القرار إن تلاءم واتسق مع مصلحة ومسار القضية الوطنية والاجتماعية، وسنقلع عن استخدامه في حال انتفاء الفائدة. لن نسمح له باستنزاف طاقتنا، أو زغللة عيوننا عن قراءتنا الوطنية والتشعب نحو أشكال وهمية من التطبيقات أو أن يُستدرَج نحو الوقوع في مستنقعات التطبيع.

بينما يعمل العالم على تقييم القرار لجهة فحص تحقيق بنوده في صنعها السلام وفحص آلياته لجهة فاعليتها في الحماية، سأستذكر اللحظة التي اطلعنا فيها على القرار في عام 2004. أتى التعرف على القرار بعد أربع سنوات على صدوره، خلال لقاء نخبوي نظمه صندوق الأمم المتحدة للسكان. في حينه، كنا نعيش ظروفاً غاية في الصعوبة بسبب إعادة اجتياح واحتلال المناطق الفلسطينية، ولم تكد دماء الشهداء قد جفّت ولم يقع رفع أنقاض البيوت والمرافق المدمرة بعد؛ في عملية السور الواقي. سأذكر بأنني قلت لمندوبة المؤسسة الأممية شيئا شبيها بأن عليها جمع بضاعتها المعروضة علينا، لاستحالة ترويجها في فلسطين.
منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من قطعنا شوطا واسعا في التعامل مع القرار، إلا أن ذات العبارة تراودني عن نفسي، ولا زالت الرغبة العارمة تلحُّ، بعد مرور 15 عاماً على صدور القرار، وتغري بقذفها بوجه الجهة التي لا زالت منهمكة في استنساخ نسخ تعديلية تملأ فجوات القرار ونواقصه!
ببساطة متناهية، القرار 1325 وأخوته يراوحون جميعا في المكان، ولا زلنا نحوم حول ذات المواضيع بسبب قصور القرار عن التعاطي مع تعقيدات القضية الفلسطينية وأطرافها؛ بسبب ازدواجية المعايير المتبعة في الهيئة الدولية وانحيازها نحو كفة ميزان القوى المتحكم في قرارها. من حيث المبدأ، لا يمكن للقرار أن يقوم بحماية المرأة، على الأقل، لأن على الهيئة الدولية القيام بوظيفتها في حفظ وصنع السلام، وعدم تملصها من مسؤولياتها ورميها على شريحة هشة من النساء المكتويات بنيران الصراع.
في فلسطين، مراوحة في المكان على صعيد التطبيق، فليس بمقدور القرار أن يصفق منفرداً بمعزل عن جهود دولية في إنهاء الاحتلال. ومن العجيب أن يعتقد الأمين العام ان المرأة المهمشة والضعيفة التي يشرف بنفسه على وضع القرارات والاتفاقيات التي تهدف إلى الحد من تهميشها ورفع التمييز الممارس ضدها، وبأنها ستكون قادرة على صنع السلام وتنجز ما يعجز هو عن تحقيقه، وعليه أن يرى القرار قد نجح في مراحل ما بعد انتهاء الصراع، كما وقع في إفريقيا وأوروبا الشرقية!
في الواقع، لن يكون بمقدور القرار 1325 وأخوته وآخرها القرار رقم 2242 الصادر في أعقاب إجراء التقييم الدولي، أن يمثل الأداة السحرية الضامنة لأمن وحماية المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال، حيث إن القرارات الدولية وتنفيذها محدودة بطبيعتها من حيث النطاق والأثر، وأصبحت كذلك؛ في ظل عدم وجود آليات مراقبة داخلية، ويصعب على وجه الخصوص في فلسطين المحتلة؛ قياس آثار السياسات الدولية على حياة النساء والفتيات كونهن يعشن تحت الاحتلال، ولكون المجتمع الدولي يحمي الاحتلال أكثر مما يحمي الشعب الواقع تحته.
بعد خمسة عشر عاماً على القرار، من يتحمل مسؤولية حفظ أمن وسلام الفلسطينيات..وكيف يفسر الأمين العام حرق ريهام دوابشة وعائلتها وفي أي خانة يضع قتل الشهيدة هديل هشلمون وتركها تنزف حتى الموت..وبأي مرجعيات وقوالب يُحلِّل التصريحات العنصرية من المؤسسات الأكاديمية والدينية والتشريعية الصهيونية الداعية إلى قتل واغتصاب الفلسطينيات عقوبة لهن على إنجاب المقاومين، وكيف يفسر تمييزه على صعيد الاهتمام بواقع النساء المسبيات والمغتصبات، اللواتي خصهن بأكثر من قرار ومنها القرار الأخير 2242، ويستحقون ذلك، بينما لا تجد الفلسطينيات اهتماماً شبيهاً حتى في تقاريره!
مع إيماني بأن القرار لا يمكن تطبيقه إلا بالتجاور مع إرادة تطبيق القرارات ذات الصلة، لكني أعتبر أن القرار فرصة للوقوف مع العالم على منصة قرار دولي تعبيرا عن نظرة شمولية للقرارات الدولية دون انتقاء أو تجزئة. وأعتبر أن القرار فرصة لتسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال، وفرصة من اجل نسج التحالفات الدولية والإقليمية والعمل بقوة ووحدة إرادة النساء في العالم، وفرصة لمساءلة المجرمين وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب، وفرصة للمطالبة بالحماية من الاحتلال، وفرصة لتفعيل المشاركة في صنع السلام العادل والشامل، إن أُعطي السلام فرصة..
من هنا أتى الموقف في منح القرار فرصته، وخاصة أن رؤيتنا تنسجم مع الأولويات الوطنية الفلسطينية في إنهاء الاحتلال ولا تخرج عنها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد