مما لاشك فيه أن البطولات التي يقدمها الشباب الفلسطيني الثائر يومًا بعد الآخر في إطار انتفاضة القدس ، هي أبلغ رسالة يمكن أن يُسطرها في إبراز معاناة وآلام شعبه، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعصابات المستوطنين.
بالحجر والمقلاع والسكين، وقبل كل شيء بروح الإقدام والتحدي يُفزع شباب القدس والخليل جيش الاحتلال، الذي روجت الماكينة الدعائية الإسرائيلية له على مدى عقود طويلة بأنه "الجيش الذي لا يقهر"، لتتحرك الدبلوماسية الأميركية والأوروبية لإنقاذ "إسرائيل" من المأزق، قبل أن تتدحرج الأمور سريعًا، ويصعب السيطرة عليها.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي - بعدما استنفدت الآلة العسكرية الإسرائيلية على مدى 4 أسابيع كافة السبل والأساليب لكبح الانتفاضة، دون جدوى - لعله يعطي نتيجةً كالتي حققتها اتفاقية أوسلو، وهي إنهاء انتفاضة الحجارة، التي تتشابه في ارهاصاتها وأحداثها إلى حدٍ كبير مع انتفاضة القدس، رغم مرور 28 عامًا عليها.
ومع أن الفعل المقاوم في الميدان هو صاحب كلمة الفصل في مجريات الأمور، إلا أن المفاعيل السياسية يجب أن تُطل على الجماهير، وتقوم مباشرةً بتوجيه الأحداث، وتطوير الفعل، ومحاصرة كل التحركات الشيطانية لتبريد المشهد واحتوائه، مع إداركي أن لصمتِ الكثير منهم عبرةً وحكمة، فإطلالاتهم وخطاباتهم تشحن وتعبئ الشباب لمواصلة المسيرة.
ما أحوجنا اليوم لإطلالة الختيار أبو عمار، ولصورة الشيخ أحمد ياسين وهو على كرسيه المتحرك، ولخطابات الدكتور فتحي الشقاقي .. ما أحوجنا اليوم لحكمة رفيق درب الشقاقي، وحامل لوائه بعد استشهاده الدكتور رمضان عبد الله شلَّح، الذي يأسر الجماهير بثقافته ورؤاه.
أحسب أن إطلالة الدكتور رمضان على وسائل الإعلام، هي خطوةٌ مدروسة من جانبه بعناية، فهو يقتنص الفرصة لذلك في مواقيت، ظروف، وأحداث معينة .. وأحسب كذلك أن مواقفه ورؤاه السياسية تتبلور وتُصاغ برَويّة وحنكة، وبما يضمن تطبيقها واقعيًا.
لابد أن يصل صوت الانتفاضة للرأي العام الدولي بلغةٍ سياسية قويِّة تأخذُ في الاعتبار نبض الشارع، صوت الشباب الثائر، وتطلعات جماهير شعبنا على اختلاف أماكن تواجده، وبلهجةٍ واضحةٍ يفهمها كل حاكم عربي أو مسؤول فلسطيني يذعن أو يفكر في التساوق مع تحركات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومن لفّ لفه ممن هرولوا إلى المنطقة لإسعاف "إسرائيل" ابتداءً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وليس انتهاءً بمفوض السياسيات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.
نعلم أن في جعبة الدكتور شلَّح الكثير الكثير ليقوله في هذه المرحلة التاريخية، ولعل كلمات رفيق مسيرته الدكتور الشقاقي – الذي تظللنا ذكرى استشهاده السنوية الـ 20 - التي تحدث فيها عن انتفاضة الحجارة قبل نحو ثلاثة عقود، لازالت تنبض بالحياة، ومنها اذكر على سبيل المثال لا الحصر، قوله: " إنني أؤمن إيمانًا تامًا أنه ليس بإمكان أحد أن يوقف مسيرة الانتفاضة حتى تحقق ما يصبو إليه شعبنا .. وأن ترتفع راياتنا فوق كل الوطن من النهر إلى البحر".
وقوله أيضًا:" ندرك أن الانتفاضة وحدها ليست بقادرةٍ على تحقيق كل أحلامنا، وكل طموحاتنا، وإن كان هناك من يعتقد ذلك مخطئ بدون شك .. لقد وضعت الانتفاضة أقدامنا على الطريق الصحيح، الذي بدأناه وانطلقنا باتجاهه، ولن نتوقف".
ونستذكر للشقاقي كذلك قوله:" شعبنا الفلسطيني المنتفض، هذا العنصر الحيوي في معادلة المنطقة لازال حتى الآن هو العنصر الوحيد الذي يتغير، لا زال هو العنصر الوحيد الذي يعمل ضد توازن القوى، ومن الظلم أن نقول لعنصرٍ بهذا الحجم إنك لا تستطيع أن تفعل كل شيء، ونحن نتفرج ونلهو، خاصةً إذا كانت هناك من داخلنا، أصواتٌ عربية، أصواتُ المؤسسات الرسمية، وأصوات دول وحكام، تتمنى كل يوم أن تنتهي هذه الانتفاضة، لأنها تعتقد أنها ليست موجهة فقط ضد "إسرائيل"، ولكن موجهة إلى طبيعة الهجمة الاستعمارية الصليبية، وهذه الهجمة هي التي أفرزت هؤلاء الحكام، كما أفرزت "إسرائيل"".
وبلا شك فإن رسائل سياسية كالتي استعرضت للدكتور الشقاقي هامةٌ بهذا التوقيت، فأعداؤنا يحاولون إبعاد القضية الفلسطينية عن الأضواء، وعزلنا عن عمقنا العربي والإسلامي فلا تُبعث الأمة، ولا تُفجر طاقتها باتجاه ما يجري في القدس والمسجد الأقصى المبارك. وقبل كل ذلك فإن الشباب الثائر، الذي يُحرك أحداث الانتفاضة، يتطلع لقائدٍ يُعبّر بلسان حاله، ينفثُ رماد التسوية، ويتبنى نهج المقاومة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية