قبل قرابة ستة أشهر، تكلّلت مساعي نتنياهو بتشكيل حكومته بالنجاح، حكومة ضيقة من 61 صوتاً، هشّة قابلة دوماً للسقوط، وقيل في ذلك الوقت، إن إصابة نائب محسوب على ائتلافه بالصداع والتزامه البيت، كفيل بإسقاط حكومته في الكنيست ، كافة الأحزاب، من داخل الائتلاف وخارجه من المعارضة، تشكل خطراً دائماً على حكومته، الجميع يبتز نتنياهو ويبتز الآخرين، لكن صمود حكومة نتنياهو لستة أشهر، لا شك أنه يشكل إنجازا غير متوقع له، بالنظر إلى تحليلات المراقبين، الذين راهنوا على سقوطها قبل ذلك.

لكن سقوط حكومة نتنياهو، بات أمراً أكثر احتمالاً، هذه الأيام، بفضل الهبّة الشعبية الفلسطينية وتأثيراتها المباشرة على الوضع الإسرائيلي، وسيطرتها الفاعلة على الأجندة الإسرائيلية بالكامل، لم يعد نتنياهو يخشى من المعارضة وابتزازها وجهودها لإسقاط حكومته، بل إن كل ما يخشاه، ما زرعه بنفسه من تطرف، يمتد إلى مزيد من الارهاب الذي ليس بإمكانه السيطرة عليه، تنازع وزراء حكومته وزاود كل منهما على الآخر، في درجة ارهابه ورفضه لفلسطين والفلسطينيين، تصريحات هذه الزعامات اليمينية المتطرفة، خاصة أثناء تشكيل حكومة نتنياهو وما بعدها، كلها ترفض ليس حقوق الفلسطينيين، ولكن ترفض أن يكون هناك شعب أو ارض باسم فلسطين، وقد تباهى كل وزير، وأركان حزبه، بالتستر وراء هذا الموقف وتبنّيه في مواجهة الوزراء والأحزاب الأخرى، انتماء كل منهم إلى يهوديته وإسرائيليته تم التعبير عنها بأكبر درجة من الارهاب ورفض فلسطين والفلسطينيين، ولم يعد أبو مازن شريكاً مفاوضاً، حسب تصريحات نتنياهو شعاراً رائجاً، لأن نخبة حكومة نتنياهو، لا تعترف بالآخر، الفلسطيني من حيث الأساس، فالأمر ليس مقصوراً على "أبو مازن" بل على شعب تم التنكر لوجوده فيما يعتبر عودة لتاريخ قريب، عندما قالت قيادات الصهيونية العالمية، لتبرير احتلال فلسطين من قبلها وقيام دولتها، ان هناك "أرضا بلا شعب".
لم يتمكن نتنياهو من السيطرة على الوضع الأمني المتدهور في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة إثر الهبّة الشعبية التي إنما هي موجة في سياق الانتفاضة الثالثة، وفي سبيل مساعدته على السيطرة على الوضع الذي كاد يخرج من يده تماماً، استنجد بالحلفاء الغربيين، وهو بذلك إنما ساهم من حيث لا يدري أو يريد أو يقصد، بإعادة الملف الفلسطيني إلى الأجندة الدولية، بعدما أسهم بكل ما استطاع، كي تظل هذه القضية مجرد ملف داخلي إسرائيلي. الانتفاضة الفلسطينية رسمت أول فشل سياسي لإسرائيل وحكومة نتنياهو في سياق عودتها إلى مربع الاهتمامات الدولية، حتى لو كان ذلك، بهدف إطفاء جذوة انتفاضة بات من الواضح أنها عصية على أن تنطفئ، مع أنها قد تتراجع حيناً، لكنها ستظل قادرة دائماً على أن تهبّ من جديد في موجات متلاحقة.
الأخطر من ذلك ربما، هو قدرة نتنياهو في السيطرة على حكومته، أو على بعض وزرائه، وبعض زعامات الأحزاب المشاركة في ائتلافه الحكومي، فهناك، أيضاً، حتى في الجانب الإسرائيلي، أفراد وأطراف وأحزاب، تريد أن تركب الموجة وتستثمر عجز نتنياهو لإبراز قدرتها على أن تكون أكثر تطرفاً وارهاباً، وبات نتنياهو يخشى من أن تصريحات ومواقف هؤلاء قد تودي بكل ما أنجزه من إقناع الحلفاء الغربيين الذين ساندوه، من قدرته على السيطرة على جماعته.
من هنا جاء غضب نتنياهو المعلن على نائبة وزير الخارجية في حكومته تسيبي حوتوفلي عندما قالت إنها تريد أن ترى العلم الإسرائيلي في ساحات الحرم القدس ي الشريف.. غضب رئيس الحكومة الإسرائيلية كان ذا طابع سياسي بامتياز، إذ انه لم يعرب عن غضبه بل اضطر إلى توضيح يمكن اعتباره تراجعاً فاعلاً، رغم أنه قد يعتبر تكتيكاً للالتفاف على الجوهر، وذلك عندما قال في رده عليها إن سياسة إسرائيل إزاء "جبل الهيكل" يعكسها رئيس الحكومة حصرياً.. مضيفاً أن الحرم القدسي الشريف سيبقى موقع صلاة للمسلمين فقط، وسيأتي إليه أبناء الديانات الأخرى كزائرين فقط.. مستعيداً بذلك ما حدث في التاسع من حزيران عام 1967 بعد استيلاء إسرائيل على القدس المحتلة، عندما رفع حاخام إسرائيل العلم الإسرائيلي فوق قبة الصخرة، بعد ذلك بأيام، قام موشيه دايان، الذي كان أسطورة تلك الحرب، بإنزال العلم، معتبراً أنه لا يريد "دولة فاتيكان" وتم تسليم أبواب الأقصى للأوقاف الأردنية.
وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغف، التي لها باع طويل في المزايدة على الآخرين من حيث تعصبها وعنصريتها ضد الفلسطينيين، هي الأخرى، ظلت ولا تزال تشكل عنصر ضعف لدى نتنياهو وحكومته إزاء الملف المتعلق بالانتفاضة الفلسطينية، ومن هنا، تأتي تصريحات وزارة الأمن الإسرائيلية، وزعامات سياسية وأمنية، لتدين تصريحات ومواقف ريغف، بل تحميلها مسؤولية في التصعيد الإسرائيلي الذي أدى على استنهاض فلسطيني، لم يعد بمقدور أحد وقفه أو السيطرة عليه أو الحدّ من تفاعله!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد