مع اندلاع الهبة الشعبية الفلسطينية الغاضبة ضد استمرار وجود الاحتلال الاسرائيلي، اصدرت الحكومة الاسرائيلية تعليمات لجنودها باطلاق النار على المنتفضين الفلسطينيين بهدف القتل، وباستخدام الرصاص الحي والقناصة ضد المتظاهرين.
وعلى ضوء هذا التوجه الرسمي الاسرائيلي، انفلت المتطرفون في اسرائيل مستوطنون ووزراء واعضاء كنيست ومن بينهم رئيس حزب (ييش عتيد) (يائير لبيد) يطالب بإطلاق النار بين العينين على كل فلسطيني يتظاهر ضد وجود المحتلين.
وفي هذه الموجة العدائية الهستيرية لحكومة اسرائيل، دعا مسؤولون اسرائيليون الى حمل السلاح، ورفع وزير التربية الاسرائيلي سلاحه في الشارع معلنا الحرب على الشعب الفلسطيني، لتمتليء شوارع وحارات فلسطين بالدم، وبالشهداء وبالجرحى، وباستباحة الارواح من خلال اعدامات ميدانية علنية واطلاق الرصاص بين العينين كما دعا لبيد،ولتطفح معسكرات وسجون الاحتلال بالمعتقلين خاصة الاطفال، في حملة مسعورة يقودها رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي زوّر التاريخ، واصيب بهذيان سياسي وفكري عندما اتهم الحاج امين الحسيني باقناع هتلر بحرق اليهود وفي خطاب كارثي سخيف يحاول من خلاله تقمص شخصية الضحية.
بين عينيّ، رأيت جنود وضباط دولة اسرائيل يستمتعون بالقتل العمد، وبالقنص وصيد الضحايا ، وهم يهشمون رأس الطفل القاصر احمد مناصرة في القدس ، يدهسونه ويضربونه ويهتفون فوق رأسه (الموت للعرب).
بين عينيّ، رأيت الشرطة الاسرائيلية تطلق النار على الطفلة القاصر فرح باكير 16 سنة، في محاولة لتصفيتها بدم بارد، وتركوها في الشارع تنزف، ولم يشفع لها الزي والحقيبة المدرسية، وجديلتها الصغيرة وهي ترفرف على وقع الرصاص.
بين عينيّ، قتلوا طارق النتشة في الخليل، وتركوه ينزف غارقا في دمه مدة اربعين دقيقة، ورأيت المستوطنون يرقصون مبتهجين حول الجريح حتى لفظ انفاسه الاخيرة.
بين عينيّ، سقط الطفل عيسى المعطي 13 عاما جريحا مصابا على يد قناص اسرائيلي ، طار لحم وعظم قدميه في المكان، ويخشى والده ان يفقد قدمه ويعيش معاقا، لا تستجيب لطفولته البراري ولا خطوات الغزال.
بين عينيّ، اغتالوا الطفل عبد الرحمن عبيد الله 13 عاما ، رصاصة كالسهم اخترقت القلب، ابتسم القناص الاسرائيلي لدقة الاصابة، وابلغ قادته ان طيرا آخر لم يعد له فضاء ولا سماء.
بين عينيّ، اعدموا عمر محمد الفقيه داخل حاجز قلنديا العسكري، تركوه ينزف بين الاسلاك، وجاء احد الجنود ليؤكد القتل بإطلاق النار عليه عندما حاول ان يتحرك، وأعلنوا انهم تأكدوا من القتل، طالبين كيسا اسود لإغلاق المشهد والحاجز واطفاء الصورة.
بين عينيّ، تتدلى قدم الاسير الجريح جلال شراونة، لا بد من قطعها، قال الاطباء في مستشفى سوروكا الاسرائيلي، يكفي قدم واحدة، قيد واحد، ونقص في الحياة الباقية.
بين عينيّ، اعدموا الطفلين البريئين حسام وبشار الجعبري في الخليل، اقتادوهما الى بناية الرجبي التي يحتلها المستوطنون، واطلقوا الرصاص عليهما وسط احتفال ورقص للمستوطنين المنتصرين على الطفلين، وهما يتدفقان في شرايين المدينة.
بين عينيّ، حاول الشهيد محمود غنيمات ان يزحف بجروحه ودمه وروحه ويطلب الاسعاف، وشاهد العالم كيف تقدموا منه واعدموه واطفأوا عينيه قبل طلوع الشمس.
بين عينيّ، جرت الاعدامات الميدانية السريعة، اشباح مقنعون خائفون من الاطفال، اشباح ترتدي الليل وتوجه بنادقها الى الفراشات، اشباح مرتعدة منزوعة الانسانية والاخلاق، صمّاء لا تسمع صوت الرصاص، وإنما ترى القتلى يسقطون في الشوارع وعلى الارصفة.
بين عينيّ، جاءوا في العتمة، اعتقالات جماعية، ضرب وتنكيل وتعرية واهانات، دمروا البيت وارعبوا الفجر والنعاس، وعادوا اكثر من مرة ، يفتشون عن حجر في القدس صار آية، وعادوا لإغلاق البوابات السبع واغتيال الصلاة.
بين عينيّ، هاجمت الكلاب المتوحشة الطفل وديع الجندي (15) عاما، غرزت انيابها في وجهه ورقبته ويديه، وكان ليل معسكر عصيون يدوي بالعواء وبالحديد وبالجنون، دولة فقدت توازنها الاخلاقي، وكشرت عن اسنانها في وجه الحياة.
بين عينيّ، مر السجانون عن زنزانتي، تذمروا وصرخوا وعربدوا، الزنزانة لم تتحول الى قبر، صوت نشيد جماعي يقطع المسافات بين جدار وجدار.
بين عينيّ، تدلت المقصلة في القدس حول الشهيد فادي علوان، لم يعتقلوه، لم يوجهوا رصاصة الى قدميه، بل الى رأسه وبين عينيه، واكملوا اكثر ، طرزوا جسده بالرصاص وفي ليلة السبت.
بين عينيّ، صوب المستعربون مسدساتهم الى رأس محمد زيادة بعد اعتقاله في رام الله ، ومن الوريد الى الوريد مشت الرصاصة في جسد صار مشلولا، يتدلى الكلام من فمه على عكازات واسلاك، ينشر روايته عن القتل الاسرائيلي العمد بدل الاعتقال.
بين عينيّ، ارى الاسير سامي ابو دياك يفترسه مرض السرطان، اصيب بالتلوث بعد إجراء عملية جراحية له، ليست أخطاء طبية اسرائيلية، وإنما طلب عاجل عاجل للموت.
بين عينيّ، جيل آخر مختلف، فوق الحزبية والفصائلية ، غاضب، يتحرك بين السكين والحجر، يشق المستقبل بدمه متحررا من المصيدة السياسية والجغرافية والامر الاحتلالي الواقع.
بين عينيّ، قوانين تعسفية مع كل حركة بشرية، تفتيشات دون الاشتباه، احكام عالية بحق الاطفال، اطعام قسري بحق الاسرى المضربين، تعذيب ممنهج لاطفاء القنابل الموقوتة من صدور المنتفضين، صعقات كهربائية وارتجاف يهز البحر المتوسط وجهات القلب.
بين عيني، سقط الشهيد الاسير فادي الدربي، لقد نزف عشر سنوات من عمره، ولأول مرة يرى الناس شهيدا يحلق في الاعالي، تحمله زغرودة امه الصابرة.
بين عينيّ، ارى الاسير كريم يونس بعد اثنين وثلاثين عاما خلف القضبان، فاضت السنوات، وفاض قلبه الكبير صوب النافذة.
بين عينيّ، رأيت المسيح يصلب الف مرة في ساحة الميلاد، ويسألنا بعد الخلاص عن بشرى السلام والمحبة فوق ارض غاضبة.
بين عينيّ، قتلت دولة اسرائيل نصوص ومواد اتفاقيات جنيف، حرقت القانون الدولي الانساني، القرار للمستوطنين، القرار لفتاوي الكراهية والحقد وعصابات التلال، القرار ليس للأمين العام للأمم المتحدة، وإنما للذين يقدسون الموت ويستعدون دائما للحرب.
بين عينيّ
رأيت في دم القتلى
من يبحث عن خلاصة
يأخذ جثثنا ولحمنا
لا يسمع القناص اغنيتي
في زغاريد الولادة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية