يبدو أن حظ السيدة الأميركية الأولى السابقة، هيلاري كلينتون أفضل قليلاً من حظ وزير الخارجية الأميركي الحالي جون كيري، هذا على خلفية المقارنة بينهما كوزيري خارجية للرئيس باراك أوباما، خلال ولايتيه الرئاسيتين، ذلك أن كلينتون، لا يبدو أنها ذاهبة للتقاعد السياسي بعد انتهاء ولاية الرئيس الديمقراطي، بعد نحو عام من الآن، على عكس "سلفها" في الخارجية، كيري، الذي يبدو أن توليه مسؤولية الخارجية سيكون آخر محطة في حياته السياسية.

السيدة والرجل، ينتميان للحزب الديمقراطي، وتوليا _ كما أسلفنا _ وزارة الخارجية في عهد أوباما، على التوالي، وسبق لهما وان ترشح كل منهما للرئاسة الأميركية، الرجل فاز بترشيح الحزب الديمقراطي في مواجهة جورج بوش الابن، لكنه خسر أمامه عام 2004، فيما خسرت السيدة في المحطة الأخيرة ترشيح الحزب الديمقراطي أمام أوباما شخصيا عام 2008، وفي الوقت الذي يبدو فيه أن كيري الذي تجاوز السبعين من عمره، سيذهب للتقاعد السياسي، تواصل السيدة كلينتون المحاولة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي أولا ثم بالرئاسة تاليا، في سباق الرئاسة الأميركية.
المشترك بينهما، هو بالطبع تولي الخارجية في عهد أول رئيس "أسود" للولايات المتحدة، الذي بدأ عهده ببث الوعود الخارجية، خاصة للعالم الإسلامي، وعلى وجه أخص، فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، حيث وعد مبكرا، عام 2009، بطي صفحة العداء الأميركي للعالم الإسلامي، بعد ولايتي جورج بوش الابن اللتين شنت أميركا خلالهما حروبا قاسية ضد العراق وأفغانستان، وضد "القاعدة". لكن شيئا لم يتحقق، بل لم يحقق اوباما بوزيري خارجيته، كلينتون وكيري، أي اختراق يذكر في الملف الفلسطيني، رغم رعاية أكثر من جولة تفاوضية، لكن النتيجة لم ترتق لمستوى عقد أي اتفاق، على غرار ما حدث في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، الذي رعى إعلان المبادئ، وإنشاء السلطة الفلسطينية .
المهم أن إدارة كيري للخارجية الأميركية قد منيت بالفشل في كل من ملفي سورية وفلسطين، ففي الملف السوري حقق الروس تقدما مهما منذ جنيف 2 على حساب الخصم الدولي، الولايات المتحدة، وربما عبر ذلك الملف، إضافة لسذاجة اوباما ومراهنته الخاسرة على الأخوان في مصر، حجمتا الدور والنفوذ الأميركي في المنطقة، لدرجة بدء الحديث عن "انسحاب هادئ" لواشنطن، من الشرق الأوسط، وتركه للقوى الإقليمية، وربما لدولة طامحة للعودة، كسابق عهدها، نقصد بذلك روسيا.
الشيء الوحيد الذي حققه جون كيري، ولكن دون نتيجة، فيما يخص الملف الفلسطيني، هو النجاح في إطلاق جولة مفاوضات بعد توليه الخارجية بأشهر قليلة، عام 2013، استمرت لمدة تسعة أشهر، لم تكتمل تماما، نظرا لأن إسرائيل / نتنياهو أخرجت لسانها له، دون أن يتمكن أو حتى أن يجرؤ على رد الإهانة أو الحفاظ على ماء الوجه، حين تنصلت إسرائيل من تعهدها بإطلاق آخر دفعة أسرى وفق اتفاق إطلاق تلك المفاوضات، وبالتالي توقف المفاوضات حتى قبل أن تنتهي التسعة أشهر بأسابيع قليلة.
ومنذ عام ونصف، أي منذ شهر نيسان 2014، والمفاوضات التي رعاها كيري متوقفة، بل أن أفق الحل السياسي يبدو مغلقا تماما، دون أن يهتم الرجل ولا حتى بمحاولة، أن يفعل شيئا، وهو الذي قيل عنه انه يتميز بالجلد والصبر والإصرار على تحقيق النجاح، ارتباطا بنجاحه الوحيد في إخراج ملف جنوب السودان، الذي انتهى بانفصاله عن الشمال، بتوافق بين شطري السودان.
خرج من سباته ومن نومه العميق، جون كيري، حين هبت جماهير القدس وشباب الضفة الغربية في مواجهة قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال، بعد أن شرعت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة بتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، فعاود وزير الخارجية الأميركي تدخله في الشأن الفلسطيني / الإسرائيلي، بهدف التوصل "لتهدئة " وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، أي إعادة "تمكين" الاحتلال الإسرائيلي، دون التقدم قيد أنملة على طريق وضع حد له، وإنهائه.
كل ما يخرج عن اتصالات ولقاءات كيري مع الأطراف الثلاثة: الإسرائيلي، الفلسطيني والأردني، لا يتعدى عن الحديث عن التوصل لاتفاق يمنع في أحسن أحواله إسرائيل من تغيير ما يسمى بالواقع "الإستاتيكي" للأقصى، أي أن سقف تحرك كيري لا يتجاوز المسجد الأقصى، ولا يتطرق إلى فتح كوة في جدار العملية السياسية المغلق، والدليل أن ما أعلن عنه حتى اللحظة هو توافق أردني / إسرائيلي، على وضع كاميرات فيديو تسجل ما يحدث في الحرم على مدار الساعة، ووفق مبدأ أن المسلمين فقط هم من يصلون في المسجد والآخرون يزورونه فقط، فيما خرج الطرف الفلسطيني من الاتفاق، وقد تم تسويق موافقة إسرائيل على المقترح الأردني الخاص بالكاميرات على انه استجابة إسرائيلية للتهدئة، مع العلم بان إسرائيل كانت قد وافقت على أمر كهذا عام 2007، وأبدت استعدادها لذلك مع وفد تركي.
لم يتجاوز سقف كيري في لقاءاته الحديث عن "التهدئة" بين الجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي، وكأن هذا المصطلح "التهدئة" بات محببا أو أثيرا لدى إسرائيل، بعد أن جربته كثيرا في غزة ، لأنه يُبقي على واقع الحال كما هو عليه، ويحقق بقاء الاحتلال دون إزعاج، ويبقي الوضع الاحتلالي قائما، كما لو كان الهدوء مطلباً وغاية وهدفاً، وليس تغيير الواقع الاحتلالي، بما في ذلك واقع المسجد الأقصى، الذي ما زال محتلا منذ حزيران عام 1967.

Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد