نشأت حركة الجهاد الاسلامي في الساحة الفلسطينية كـتيار اجتهادي في الرؤية والعمل للإجابة على أزمة الاسلاميين والوطنين آنذاك، وإن توقف الاجتهاد في نهجها وعملها وديمومة حضورها يعتبر عملية اغتيال دائمة لها أو تحويلها لصنم تنظيمي عددي.

لقد منح الاجتهاد القداسة للنهج، والتقدير للفكرة، والاحترام للشهيد المؤسس د. فتحي الشقاقي ومن بقي من أصحابه، لكن توقف الاجتهاد حول التيار إلى تنظيم كمي مما شكل حالة انفصام بين الفكرة والفعل، ودفع الحركة الى الدخول في متاهات الممارسة بعيدا عن الموائمة المطلوبة بين تطور الفكر ومتطلبات العمل، ولذلك أسباب موضوعية يجب العمل على استيعابها وتجاوزها، منها المواجهة المفتوحة والدائمة مع الاحتلال ونتائجها، وعدم استقرار المشروع في وعي كل حملته، وغياب المؤسسة.

استشهاد المؤسس أو أهم المجتهدين، وتفرق الرعيل الأول أمام صدمة النزاع حول أليات العمل التنظيمي، ومحاولات الاحتواء والإضعاف الخارجية، والاعتماد على حليف وحيد بشكل كلي وكامل، دون حسابات تطورات الوعي والتجربة والمستقبل، والتركيز على المواجهة مع الاحتلال، كل ما سبق شكل بداية الأزمة في الحركة التي غطى على ظهورها قدرة شباب الحركة على الابداع في المعركة مع الاحتلال.

وظهرت الازمة بشكل أوضح مع استشهاد المؤسس، وعدم قدرة رفاقه على تجاوز لحظة القرار الخطيرة، والابداع في مواجهة أهم استهداف للمشروع الفتي، والارتباك أمام جسارة الحلفاء في تحديد قيادة وشكل الحركة مما منحهم مدخل قوي للسيطرة أكثر على الحركة الواعدة.

عدم قدرة القادم على رأس الحركة بملفاتها المبعثرة، ودمها المسفوح، ومغادرة عدد مهم من رفاق المرحلة الاولى، وتوالي الأسئلة التنظيمية حيال التعامل مع سلطة فلسطينية تنشأ لأول مرة على جزء من الأرض الفلسطينية، جميعها أسباب دفعت الامين العام الثاني على التضحية حسب أولوياته بمعالجة ما سبق وفق خطة وتدرج، لصالح التموضع والاستمرار وتقديم اجابات لحظية دفعته لخطاب متصلب اتجاه الخصوم السياسيين، ومزيد من الاعتماد على الحلفاء.

وحتى اللحظة، بعد قرابة عقدين حافلين بالتطورات الوطنية والعربية والدولية، لم تتمكن الحركة من تطوير المشروع - الفكرة من خلال الحفاظ على منهجية الاجتهاد والبعد عن الغرق في التفاصيل التنظيمية، وتوفير متطلبات المواجهة العسكرية مع الاحتلال، لصالح الممارسة على حساب المنهج ومن دلالات ذلك وقف فكرة مشروع حزب سياسي للحركة يتعامل مع الواقع الفلسطيني الجديد، والخروج من قواعد الاشتباك مع الاحتلال التي رسمتها "القوى الاسلامية المجاهدة- قسم" نحو قواعد جديدة أرادتها قيادة الحركة من خلال سرايا القدس ، حيث ارتكزت الأولى على قاعدة الاشتباك مع الجيش الاسرائيلي وأدواته من أجهزة أمنية ومستوطنين ضمن وعي سياسي متقدم شكل إجابة فلسطينية قوية على وجود الاحتلال.

كل ما سبق جعل الحركة تنظيم بدون أسس تنظيمية، وأبعد الحركة عن حالة الاجماع السياسي على دورها، ورسم لها هوية تنظيمية أكثر وضوحا في الخارطة الفلسطينية والعربية، مما شل قدرتها على التطور كمشروع كبير، وغيب تطور الفكرة وأضعف جوهر البنية التنظيمية لدرجة لا تتطابق تماما مع الأهداف الاولى وسياق النشأة والدور المنتظر كتيار فلسطيني متجدد يمتلك القدرة على التطور والاجابة على الأسئلة الوطنية والاسلامية المعاصرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد