حسنا، مازالت الانتفاضة بعيدة عن سيطرة الفصائل وتوجيهها. مازالت في توهجها أقرب إلى الانتفاضة الأولى من حيث تعبيراتها واشكالها النضالية. انتفاضة بلا قائد ولا قيادة. الشعب بطلها وقائدها. والسؤال كيف يمكن استمرارها بأقل التكاليف، تستنزف ولا تُستنزف في ظل دعوات بدأت تصدر عن قيادات وازنة بعسكرتها أو التلويح بها؟
سنفترض أن ما نشر قد يكون مجتزأ، أو ان لأصحاب الدعوة رأيا غير ما قد فهمنا. ولكن اذا ما ناقشنا الفكرة بمعزل عن أصاحبها يتبادر إلى الذهن فورا المثل القائل "اللي بجرب المجرب عقله مخرب". كانت الانتفاضة الأولى سلمية سلاحها "الحجر" قطعة من الأرض محل الصراع، لم يستطع أحد إدانتها. أبهرت العدو قبل الصديق، لكنها بدأت سلمية وانتهت فصائلية. وحين تم عسكرتها تم تدمير منجزاتها ووصم نضالنا ب "الارهاب".
المتابع لجرائم المستوطنين واستفرادهم بأهالي القرى والبلدات يشعر أن هناك حاجة ماسة لإيجاد طريقة ما نحمي بها المواطنين من وحشية بلغت حد قتل الأطفال والعائلات بحرفية عالية ودم بارد. هذا يعني أننا بحاجة إلى مقاومة توجع الإسرائيليين أكثر مما توجعنا.. ينبغي إعمال العقل.
قد يبدو أقرب إلى الممكن تسليح أفراد اللجان الشعبية المكلفة بحماية القرى المعرضة للاقتحام التي لم تنتشر فيها الشرطة الفلسطينية، حتى لا يموتوا كالخراف، على أن يخضع السلاح للضبط وليس منح الاحتلال فرصة التنكيل بالأهالي.
لكن ما يُخشى أن يُستدرج الفلسطينيون لاستخدام سلاح الفصائل فتتبعها صواريخ غزة ، فتفلت الأمور من عقالها. عندها ستعم الفوضى والخراب ولا ينفع بعدها ندم ولا مراجعة حسابات إذا ما أطلق الاحتلال لجنوده ومستوطنيه العنان بمهاجمة القرى وإرغامهم على هجرات جماعية. عندها لايفيد كثيرا صراخ الرأي العام العالمي ولا بيانات الإدانة، فالفاس وقعت في الراس – كما يقولون.
عندما تتدخل أسلحة الفصائل فان أول ما ستخسره الانتفاضة هو تراجع الدعم الشعبي عن الحضور في ميدان المواجهة وستجد من يطالب بلجم سلاح المقاومة الذي سيوضع على جدول أعمال اللقاءات الرسمية العربية والدولية.
عندما بدأت الحرب الأخيرة كانت الصواريخ البدائية تنطلق من غزة لتشتيت الاحتلال عن متابعة خاطفي المستوطنين الثلاثة، فبدأ العدوان على غزة، ورغم ما حصدته الحرب من ويلات، لم نفلح حتى الآن لا في استعادة المطار والميناء ولا حتى في رفع الحصار الذي وُعدنا به، ولا في إدخال مواد الأعمار كما ينبغي، ولا في الحصول على ما اتفق عليه المانحون وتسبب في تبادل الاتهامات بين شطري الوطن حتى قبل أن تصل أموالهم، فيما الأسرى مازالوا في انتظار الفرج.
لا شك أن الجمود المدمر في غزة يسمح للاحتلال بالاستفراد بالضفة وأهلها ومقدساتها. غزة تعيش حالة قل نظيرها في العالم. هناك من أوهمنا أن بعد "النصر" فرج دون أن يكلف نفسه عناء شرح نوعية الفرج وكيفية حدوثه. وثمة من أبلغنا أن زمن المعاناة لن يطول أكثر من ثلاث سنوات لنصل بعدها إلى القدس وعسقلان وبئر السبع محرِرين ونحن مازلنا كالبلهاء غير مصدقين ما يحدث: السلطة الوطنية تنفذ تنسيقا أمنيا في الضفة، وحركة حماس تنفذ تفاهمات أمنية مع الاحتلال وتبذل جهودا 100% الأمن على حدود غزة وكأننا أمام هدنة مفتوحة على الزمن دون حفل توقيع وبرتوكولات لزوم العرس – الفضيحة.
يكفي الانتفاضة فخرا أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى قائمة اهتمام العالم وهزمت الاحتلال.
- ما الهزيمة اذا لم تكن تراجعا واضحا، ولو مؤقتا، عن نوايا تهويد الاقصى؟
- ما الهزيمة إذا لم تكن ذاك الرعب الذي أصاب الجيش قبل مستوطنيه؟.
- ما الهزيمة اذا لم تكن فتح ملف الاستيطان؟
إذا لم تكن الهزيمة ما سبق فماذا تكون؟ الهزيمة ليست كاملة والعسكرة ينبغي أن تُخمد الآن، لأنها تعني ببساطة إخماد الانتفاضة وإحلال المسلحين بدلا منهم. العسكرة حرب غير مدروسة. ماذا يعني أصحابها:
هل هي تهديد وغضب إزاء جرائم إعدام الأطفال؟ ربما
هل هي موقف شخصي لم يصل بعد إلى قرار حزبي؟ ربما.
هل هي تعبير عن مأزق الفصيل الأول في المقاومة المسلحة؟ ربما أيضا.
هل هي رغبة في اطفاء الانتفاضة؟ قطعا لا.
إذن، ارحمونا من بعض نصائحكم والكثير مما يدور في اجتماعاتكم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد