خلال أسبوعين فقط، مرا على انطلاقة الهبة الشعبية الحالية، حدثت خلالهما إضافة للهلع والذعر في الشارع الإسرائيلي متغيرات وتحولات مهمة للغاية، رغم أن بضع مئات فقط من الشباب الفلسطيني، شاركوا في هذه الهبة، كذلك لا يمكن القول إن كل مخزون الشعب الفلسطيني تم استخدامه فيها، وفي ظل عدم توحد ميداني، بل في ظل انقسام ما زال قائماً، أجرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية استطلاعا للرأي، نشرته يوم الجمعة الماضي، جاء فيه أن نحو ثلثي اليهود الإسرائيليين باتوا يفضلون تسليم الأحياء العربية في القدس الشرقية للجانب الفلسطيني.
أهمية هذا الاستطلاع في هذا البند بالذات تتضح حين ندرك أن موضوع القدس شكل بالنسبة للإسرائيليين محطة إجماع، وليل نهار تؤكد الحكومات الإسرائيلية على «وحدة» القدس، أي على ضم القدس الشرقية المحتلة، لما يطلق عليه الإسرائيليون عادة العاصمة الأبدية لإسرائيل!
غني عن القول، إن اللجوء للمقاومة الشعبية، إنما هو أمضى سلاح بجعبة الفلسطينيين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، شرط أن يتم استخدام هذه المقاومة أولاً بشكل صحيح، وثانياً على أعلى درجة من الفاعلية، ذلك أن عدم التطير وعدم فقدان الأمل، وبالتالي إظهار الإصرار والإرادة على مواصلة طريق المقاومة الشاق والطويل، المليء بالتضحيات، وعدم «استسهال» عملية طرد الاحتلال من خلال أوهام أن يتم ذلك «بالسياسة أو المسايسة» وبالطرق الدبلوماسية والشطارة السياسية وحسب، ولا في الاستسلام وقبول ما يمكن أن يقدمه الاحتلال من فتات، ولا كذلك الهرب إلى الأمام والتطير، والاستعجال من خلال اللجوء للمواجهة العسكرية فورا، ثم من خلال الإصرار على شعبية وجماعية العمل المقاوم، ورص كل الصفوف الوطنية وتوسيع رقعة وجبهة المواجهة بحيث تشمل كل الشعب الفلسطيني، الموزع جغرافيا وسياسيا وقطاعيا أو اجتماعيا، أي كل أولئك المقيمين في القدس والضفة و غزة والـ 48 والشتات، وكل محازبي ومناصري وأصدقاء فتح و حماس والجهاد واليسار وحتى حزب التحرير، كذلك الشباب والأطفال والشيوخ، الرجال والنساء على حد سواء، يمكن التأكيد ليس فقط على كسب الحرب ولكن أيضا على التعجيل بها وتقريب يوم النصر.
يمكن القول بان الشبان والفتيات الفلسطينيين قد حققوا المستوى الأول من الشروط والظروف التي اشرنا إليها، قبل قليل، فالشباب والفتيات على حد سواء في القدس وكل مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية وكذلك شباب وفتيات قطاع غزة، قد خرجوا بصدورهم إلى ميدان المواجهة، وكالعادة سبقوا كثيرا القيادات السياسية، حيث أن الهبة الشعبية قد وضعت قيادات الشعب الفلسطيني _ خاصة حماس وفتح _ أمام مسؤولية تاريخية، تتمثل في الارتقاء لمستوى الشبان والفتيات المقاومين والمنتفضين بإعلان إنهاء الانقسام فورا، والدفع بعناصرهم، متحررين من الحسابات الفصائلية للانخراط ضمن صفوف المنتفضين، وكما فعلت الانتفاضة الأولى بتنظيم صفوفها من خلال اللجان الشعبية المختلفة، لتحقيق أعلى مستوى من التنسيق الضروري لمواجهة العدو المتغطرس والفاشي، فالأمر يتطلب المعنى الحقيقي والوطني للوحدة وهو الوحدة الميدانية وليس الوحدة التي يتم فيها وبها، تقاسم « كعك « السلطة، حيث الامتيازات والخلافات الكثيرة تحيط بها وتتوالد منها.
كذلك يفترض في أن الهبة الشعبية قد بثت الروح في أوصال الجميع، روح المقاومة والمواجهة الشجاعة، كذلك روح التضحية والإيثار، التي دونها لا يمكن تحقيق شيء للوطن، ومن ضمن ذلك أن يتقدم الجميع _ نقصد المستوى السياسي الرسمي _ بالبدء بتطبيق التحذيرات والأقوال إلى أفعال، فحيث انه تم تحقيق مكتسبات وانجازات على الصعيد السياسي والدبلوماسي، فلا بد من ترجمة قرارات الأمم المتحدة على الأرض، وليس هناك من يمكنه أن يفعل ذلك سوى الشعب الفلسطيني المنتفض، فحيث أن إسرائيل سعت خلال عشرين سنة بعد الانتفاضة الشعبية الأولى إلى تحويل المؤقت «سلطة الحكم الذاتي» إلى دائم، لا بد من أن يكون هدف الهبة ومن ثم الهدف العام لجميع مستويات المقاومة والمواجهة هو تحويل السلطة إلى دولة ذات سيادة على الأرض، ويمكن العمل على ذلك من خلال فرض هذه السيادة على ما تحرر فعلا من الأرض الفلسطينية، إن كانت تلك في قطاع غزة، أو فيما يصنف على انه مناطق أ.
يمكن أن تبدأ السلطة بمعاملة إسرائيل بالمثل، كما كان وأعلن الرئيس محمود عباس قبل اقل من شهر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلا يسمح للجيش الإسرائيلي بدخول تلك المناطق ولا بأي حال، لا لاعتقال أي مواطن فلسطيني، ولا لأي سبب، بل ومواجهته إن فعل، من قبل الجميع بمن فيهم قوات الأمن الوطني وأجهزة الأمن الفلسطينية، وحين يتسلل مستعرب أو مستوطن لتلك المناطق أن يتم اعتقاله وسجنه، وربما قتله إن لم يخضع لأمر التوقيف، كما تفعل إسرائيل مع مواطنينا الذين تعتقلهم وتسجنهم، رغم أنهم مواطنون فلسطينيون، فلا تقوم _ مثلا _ في حال ارتكبوا خرقا للاتفاقيات بتسليمهم للجانب الفلسطيني، كما تفعل الدول عادة.
ويمكن للسلطة، بوصفها دولة تعترف بها بهذه الصفة الكثير من الدول أن تعقد الاتفاقيات مع الدول الأخرى، رغم انف إسرائيل، ويمكن أن تشرع دولة فلسطين فورا بالبحث مع الدولة المصرية الجارة لها في كل ما يخص حسن الجوار والتبادل التجاري، كذلك مرور الأفراد والبضائع بين الدولتين على طول الحدود الجنوبية بين مصر وقطاع غزة، وعقد اتفاق بديل عن اتفاق 2005 بغض النظر، عن سلطة حماس في غزة. ويمكن للسلطة أيضا أن تعامل المستوطنين خاصة كما تعامل إسرائيل الفلسطينيين، باعتبارهم أناسا يقيمون على أرضها المحتلة دون وجه حق، فترفع الدعاوى القضائية ضد وجودهم، لأنه غير شرعي، ولا تنتظر أن يتم التوصل لاتفاق مع إسرائيل بشأنهم، أو حتى أن تمهلهم فترة محددة ليغادروا أرضنا وإلا صاروا أهدافاً مشروعة للمقاومة الشعبية.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد