حين استقر علم فلسطين بين اعلام الامم امام المبنى التاريخي للامم المتحدة الذي حمل لنا الالم اكثر من الامل، والحزن اكثر من الفرح، تداعت الى ذاكرتي كيف كان هذا العلم رمزأ من رموز كفاحنا الطويل، وظهر ذلك جليأ اثناء الانتفاضة الكبرى، وكيف كان التسابق الى حمله ورفعه عاليأ في مواجهة قوات الاحتلال يشكل تحديا، حيث كان العلم هو رمز تجمع الشباب والشابات والاطفال والشيوخ.
ومن جهة اخرى كان حمل علم فلسطين طريق سريع لتهم امنية تقود الى المحاكم العسكرية واحكامها القاسية، والحكايات كثيرة، ولكنني اخترت واقعة اندفاع مئات الفتيات من مدارسهن في احد ايام تصعيد الانتفاضة، وكانت احدى الفتيات من مدرسة الرمال الاعدادية لللاجئين اسمها مي السكسك تحمل راية العلم، وكان عمرها اربعة عشر ربيعأ حين احاط بهن الجيش الاسرائيلي واعتقل مجموعة منهن وتراجع الباقي للمدرسة لجولة اخرى، وتم نقل المعتقلات الى مركز شرطة العباس، حينئذ هاتفتني احدى بناتي قائلة “الحق يابا اخدو البنات على السجن”، وكنت نقيبأ للمحامين انذاك وكانت النقابة مركز عمليات متابعة الاسرى والمعتقلين فهرعت مسرعأ ومعي الزميل المرحوم محمد هاشم ابو شعبان الى مركز شرطة العباس لمتابعة الامر، فوجدنا انه تم حجز ما يقارب خمسة عشر فتاة في غرفة التوقيف، وسمح لنا بمقابلة الفتيات فوجدناهن بمعنويات تطال عنان السماء، ولفت نظري احداهن تحاول الاقتراب والوقوف خلفي ثم قالت لي هامسة “معي علم فلسطين اخفيه تحت مريول المدرسة” فطلبت منها ان تحاول بهدوء اخراجه ووضعه في حقيبة الملفات حيث وضعهتا بيني وبينها او في جيبي اذا كان العلم صغيرأ تتسع له الجيبة وقام الاخ محمد ابو شعبان بمشاغلة الشرطي خوفأ من ان يفطن لما يجري، ونجخت مي ووضعت العلم في الحقيبة وبقي ذلك العلم في مكتبي لمدة طويلة.
وبعد مرور سنوات كثيرة اتيح لي ان اقابل تلك الفتاة في مدينة فانكوفر الكندية وقد وجدتها قد اصبحت استاذة جامعية، ومعها شقيقتيها علا مسؤولة محطة الطاقة لكل مقاطعة بريتيش كولومبيا، والثالثة سمر مسؤولة بدائرة الهجرة في مطار فانكوفر، ويا للمفارقة الهجرة من يافا ل غزة لكندا وفي دائرة الهجرة اي عبث للاقدار هذا.
لله در فتياتنا الماجدات كما كان يقول صدام حسين فهن المبدعات في كل مكان وزمان حاملات سر البقاء، وكنت اتمنى لو كان والدهن المرحوم بشير السكسك الصديق المربي حيأ لكان فخره وفخر مدينة يافا مسقط رأسه كبيرأ بهن.
لقد كان رفع العلم الفلسطيني هناك له قيمة رمزية كبيرة ولكن الفضل للشعب على ارض فلسطين، فكم من سجن لاجله وكم من استشهد وهو يحمله وارجو ان تستفيق التنظيمات الفلسطينية بالوانها التي تحملها عوضأ عن العلم الفلسطيني الذي يتوارى خجلأ منهم حينما يغلبون عليه الوان قزحهم من اخضر واصفر واحمر… الخ.
وللامانة يبقى اهلنا عرب فلسطين داخل حدود ال 48 هم الذين يحملوه بلا اي راية تطغي عليه ففي اعراسهم ومناسباتهم تراه يخفق عاليأ واذا مررت على مدنهم وقراهم تجده يبشر بالمستقبل.
و كنت اتمنى ان تكون مي أو احد حملة علم فلسطين من دفعوا ثمنأ غاليأ لحمله حاضرأ حين رفعه في نيويورك قلب الصهيونية النابض.
ويا ليت الرئيس او احدأ من حوله استفاق للفكرة وعلى العموم تبقى قدسية رفعه هنا في فلسطين متمثلين قول القائد الشهيد ياسر عرفات وهو القائل دومأ “سترفع زهرة من زهراتنا او شبلأ من اشبالنا علم فلسطين على اسوار وومأذن و كنائس القدس ″ وانظروا ما يحدث في القدس.
ولا نامت اعين الجبناء
كاتب ووزير عدل فلسطيني سابق
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية