لم تكن هناك قنبلة مفاجئة في خطاب أبو مازن أمام الجمعية العامة، على الأقل لأن ما تحدث به في هذا الخطاب تم تداوله قبل أيام، وإذا كانت هناك من قنبلة حقاً، فإنها تلك التي انفجرت إثر الخطاب، على صعيدين، إسرائيلي وفلسطيني، في الاطار الإسرائيلي عبرت القنبلة هذه عن نفسها من خلال تساؤلات حول كيفية التعامل الإسرائيلي مع الجديد الفلسطيني الذي تناول خطاب أبو مازن، ومدى جدية الرئيس في التعامل مع مضمون خطابه، وكيف سيكون الرد الإسرائيلي في حال أوقف أبو مازن التنسيق الأمني، ما هو مستقبل أراضي ب و ج في الضفة الغربية، وربما الأهم في هذا السياق، هل بإمكان اسرائيل أن تدعي بعد الآن أن أبو مازن ليس شريكاً، بعدما زادت شعبيته بشكل واسع إثر هذا الخطاب، وعودته منتصراً إلى شعبه مثبتاً أنه ما زال على العهد رغم كل التخرصات والانتقادات.. خطاب نتنياهو في الجمعية العامة، لم يجب على هذه الأسئلة رغم أنها طرحت عبر بعض تصريحات القيادات السياسية والأمنية ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وهذا ما يدفعنا إلى محاولة أولية لتفكيك خطاب نتنياهو في الجمعية العامة.
كان خطاباً بالغ الأهمية بالنسبة لنتنياهو، الذي تحدث بالإنجليزية التي يجيد إلقاء الخطابات بها أفضل من العبرية، محاولاً التأثير على رؤساء وقيادات الدول التي كانت أقل من المعتاد، إذ ان عديدا من رؤساء الوفود غادر القاعة، بما في ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري وسفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة سامنتا باور، بذريعة دعوتهما من قبل الرئيس لاجتماع طارئ قبل دقائق من موعد إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي كلمته أمام الجمعية العامة (!) وكالعادة التزم بالتضليل والتحريض والتحايل، لكن أهم ما يمكن أن يقال في هذا السياق، إن نتنياهو ظهر على حقيقته، متغطرساً، مطالباً العالم بتحقيق شروطه ومآربه، وفي موقع القادر على محاسبة من لم يلتزم بالوقوف إلى جانب دولته، عاجزاً عن تقديم إسرائيل كضحية، بل نجح في إظهارها على حقيقتها كما هي، دولة العدوان والعنصرية والتزييف، تعبيراً عن حالة انفصام حقيقي اثر الحصار الدولي المتزايد، سياسياً، على الدولة العبرية، ونجاح الرئيس أبو مازن، في خطابه قبل 14 ساعة من كلمة نتنياهو في وضع العالم أمام مسؤولياته مثمناً التفافه حول القضية الفلسطينية، معززاً بذلك دور البرلمانات الأوروبية في دفع المزيد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في الوقت الذي كان نتنياهو من خلال خطابه يستخف بالرأي العام الدولي من خلال إصراره على دعوته لمفاوضات ـ دون شروط مسبقة ـ بينما يخلق واقعاً على الأرض بالقوة المسلحة، الأمر الذي يبدد أي جهد من أجل إنجاح أي عملية تفاوضية تنتهي بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، مكرساً إسرائيل كدولة نظام عنصري إرهابي.
ردود الفعل الفلسطينية، ظلت في إطار المواقف الفصائلية المسبقة، تلعثم العديد من الفصائل عندما تبين لها أن الرئيس وفى بوعوده، لكنها غير قادرة على الاعتراف بما تضمنه الخطاب من جديد جيد، بعضها حاول التأكيد على أن البرهان في التنفيذ، محاولة اللعب على السياسة اللغوية التي تتهرب من تحديد موقف واضح، وبعضها، عز عليها أن ترى الرئيس الفلسطيني، يرفع صوت فلسطين في أهم منبر دولي مع رفع علم فلسطين بين أعلام دول العالم، كخطوة سياسية لم تنجح أبواق التردد والانحسار في تجاهلها.
باختصار شديد، لعلّ خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة، يؤرخ لما قبله ولما بعده، وهو تاريخي بهذا المعنى، كونه على أقل تقدير، أعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها بين كل القضايا السياسية والأمنية الراهنة، ثم وضع فلسطين على جدول العالم، بعدما حاولت بعض القيادات لكبرى الدول، تجاهل هذه القضية في خطاباتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبصرف النظر عن مدى علاقة عملية نابلس بالخطاب، فإن هذه العملية تشكل انطلاقة جديدة لكبرى المنظمات الفلسطينية، حركة فتح، وهي تعود، مثلما عادت القضية المركزية الفلسطينية إلى جدول أعمال العالم، تعود حركة فتح، لتضع نفسها على قيادة المواجهة المركزية مع العدو المحتل، وإذا ما كان هناك رد على نتنياهو، فإن قيام المقاتلين الفلسطينيين، أثناء عملية نابلس، بالعطف على أطفال المستوطنين الأربعة، وتركهم لكي يحكي تاريخ المستقبل عن الفرق بين أخلاقياتنا ودموية الفاشية الصهيونية، كان بالإمكان أن يلتحق هؤلاء الأطفال بمئات آلاف الضحايا من أطفال فلسطين الذين سقطوا على يد أداة العدوان الإسرائيلية، لكن هو درس، لنتنياهو قبل غيره من طغاة الفاشية العنصرية!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية