شباب غزة.. يسافرون "فقط" في العالم الافتراضي!
غزة / خاص سوا/ حمزة خليل/نوى الشاب محمد عقل السفر من قطاع غزة ، لكنه لم يُحضر حقيبة السفر كما يفعل الجميع، أو ودع امه وأصدقاءه، فقط ما فعله جلس على مقعد مكتبه في غرفته الضيقة، وأشعل حاسوبه و فتح حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك"، وغرد بخاصية موجودة في العالم الأزرق (Traveling to al-Nusayrat ) أي أنه مسافر من مخيم جباليا إلى مخيم النصيرات الواقع وسط القطاع.
حركة ساخرة يفعلها محمد يوميا في عالمه الافتراضي قبل ذهابه إلى أي مكان يزوره في محافظات القطاع، تجسيداً للواقع الذي يعيشه في المدينة المحاصرة وخاصة اغلاق المعابر الذي ينتظر أن تفتح ليتمكن من السفر لإكمال رحلة التعليم.
في كل مرة حين يغرد الشاب الذي يدرس الهندسة للسنة الثالثة في إحدى الجامعات المصرية بخاصية السفر على حسابه الشخصي، يتفاعل معه الكثير من الأصدقاء والمتابعين، منهم من يسخر وأخرين يتعاطفون وثلة تلعن الواقع.
واحد من الذين علقوا عليه كتب ساخرا : " محمد دير بالك توقع من الطيارة"، وأخر تعاطف مع المهندس كاتبا:" ربنا يفرجها عليك يا صديق".
ويبدو أن الحزن الذي أصاب محمد حين وقف الحصار وإغلاق المعابر كجدار منيع أمام رحلته التعليمية، وأصبح ممزوجا بالضحك والتهكم ، قائلا: " ماذا علي أن أفعل، أن بقيت حزينا سأموت نتيجة جلطة، أحاول أن أضحك على نفسي من خلال تلك الخاصية الموجودة في العالم الافتراضي".
كذلك الحال إلى الشابة سارة جربوع "24عاما" فأينما ذهبت تغرد بـإشارة الطائرة على الفيس بوك، تعبيرا عن الحالة التي تعيشها في الآونة الأخيرة.
سارة شابة تحمل شهادة البكالوريوس من كلية التجارة بجامعة الأزهر بغزة، عائلتها منقسمة إلى شقين، احداها في المدينة المحاصرة يشمل أخوتها المتزوجين، والاخرى في العاصمة الإمارتية تضمن والديها وأختها الصغيرة المحببة لقلبها.
تقول: " أنا جئت إلى غزة لأكمل تعليمي، لم يعد لي مكان هنا بعد تخرجي، لذلك أتمنى السفر".
أينما ذهبت الشابة تضع الخاصية، لدرجة أنها حين تذهب لإعداد طعام الغذاء أو إعداد مشروب، تغرد على صفحتها ساخرة: " أنا الآن في الطائرة ذاهبة إلى المطبخ".
وتمتلك سارة التي تعيش مع أخوتها الرجال في منزل يقع على الأطراف الشرقية من مخيم جباليا، عددا كبيرا من المتابعين على موقعها الأزرق، فأغلب المعلقين، يتعاطفون معها.
تختم الشابة مبتسمة: " بشكر إدارة الفيس بوك إنها وفرت هذه الخاصية، حتى تشعرنا بالسفر".
الصحفي محمد شحادة والذي يعمل للتلفزيون الياباني، فقصته لها طابع خاص، فقبل ثلاث سنوات من صياغة هذا النص، كان مقيما في مدينة بيزانسون الفرنسية مع عائلته، ثم جاء لغزة بعد ذلك.
كان محمد حين يستقل سيارة عابرة في إحدى طرق باريس تأخذه إلى أي دولة يشاء أن يطأها، أما اليوم فأصبح محاصراً داخل جدران القطاع ولا يستطيع السفر.
الصحفي محمد دائما ما يستخدم خاصية السفر عبر موقع التواصل الاجتماعي ، حيث أنه غرد الخميس الماضي على صفحته الشخصية (Traveling to Rafah) اي مسافر من مدينة غزة الى مدينة رفح الواقعة جنوب القطاع.
يقول الزميل الصحفي "25عاما" : " تغريدي بهذه الخاصية تعبيرا عما يدور من قهر لهذا الوضع الُمزري".
غزة سجن كبير، لا يحترم ولا يهتم بأحد. يختم محمد.
قصة الشاب زياد أديب لا تختلف عن المذكورين سلفا، فحكايته قصيرة جدا، فهو شاب في ريعان شبابه يتمنى السفر من غزة، لينظر إلى العالم من النافذة الكبيرة، فهو يضع صورة غلافه لطفل يطل من طائرة ملونة، وقبل نوم زياد يغرد بتلك الخاصية، وحين يستيقظ يحذفها من على وجه صفحته تعبيرا منه "أن هذا حلم وأنتهى".
الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة واشتداد ذروته خاصة بعد الحرب الثالثة بجانب إغلاق المعابر ، دفع شباب غزة إلى تصرفات تدل على أن صدورهم أصبحت "ضيقة " ولم تعد تحتمل هذا الواقع المرير!