قد لا يرى البعض منا، أية أهمية ذات قيمة لرفع العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة، بين أعلام مئة وثلاث وتسعين دولة، هي الدول التي تتشكل منها الأمم المتحدة، غير أن هذه الخطوة التي تبدو رمزية وذات أبعاد نفسية، تنطوي على حقائق ذات أبعاد تاريخية.
رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، لن يعيد فلسطين ولن يرغم إسرائيل على تغيير مخططاتها وسياساتها العدوانية الاحتلالية، ولكن إذا كان إنشاء دولة إسرائيل قد تم بقرار من عدد من الدول الاستعمارية فإن قرار دولة فلسطين يتم بموافقة معظم دول العالم، حتى الدول التي لم تصوت إلى جانب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اتخذته في عام 2012، باعتبار دولة فلسطين عضوا مراقبا، حتى تلك الدول، تعترف للفلسطينيين بحقوقهم وتتبنى رؤية الدولتين.
إذا عدنا إلى الماضي، فإن المشروع الصهيوني، الذي رفع شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وما جاء بعد قيام إسرائيل من مخططات دولية وإقليمية وإسرائيلية، فلقد كان هدف تبديد الشعب الفلسطيني وإلغاء وجوده، واستيعابه من قبل المحيط العربي، ذلك الهدف كان على رأس أهداف إسرائيل وحلفائها، بعد سبعة وستين عاماً على قيام دولة إسرائيل التي رفعت شعار "من النيل إلى الفرات شعبك يا إسرائيل"، يعبر رفع العالم الفلسطيني في الأمم المتحدة رمزياً عن سقوط كل تلك المخططات والأهداف الاستعمارية.
وجود العلم الفلسطيني يكرس، ويشهد على حقيقة أن الشعب الفلسطيني غير قابل للكسر، وانه شعب موجود على كل الخرائط، وانه شعب حي، يمكن أن يضيف للبشرية، مساهمات ذات قيمة.
وطالما أن هناك شعباً يصل تعداده إلى اثني عشر مليون إنسان، فإن لهذا الشعب حقوقاً تاريخية لا يمكن إنكارها أو مصادرتها، لا اليوم ولا غداً، وبعد أن كرستها قرارات عديدة صدرت عن الأمم المتحدة، فإن المحتل سيرضخ لها يوماً حتى لو بدا وكأن الوضع الراهن، سوداوي، ويدعو إلى الإحباط واليأس والكآبة.
مقبول بحكم طبيعة الأشياء، أن يحاول أعداء الشعب الفلسطيني وحقوقه، تقزيم هذا الحدث، وتبهيت أبعاده ومعانيه ولكن من غير المقبول إطلاقاً أن يتطوع فلسطيني واحد، مدفوعاً بروح المناكفة، والاستعلاء، بأن يضع نفسه مع الأطراف التي لا تريد الاعتراف بأهمية هذه الخطوة.
الناس تخلق انتصارات وإنجازات وهمية في أحيان كثيرة من أجل تعزيز الثقة بالانتصار، ومن أجل رفع المعنويات، وتعميق حالة الصمود والأمل فكيف يمكن تجاهل إنجاز كرفع العلم الفلسطيني بين أعلام الأمم، حتى لو كان مثل هذا الإنجاز محدوداً.
قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً أي في آذار 2002، حين انعقدت القمة العربية في بيروت، وأقرت ما يعرف بمبادرة السلام العربية، جاء الرد الإسرائيلي شديد العدوانية، على المبادرة العربية، حيث شنت إسرائيل ما عرف بحملة السور الواقي، الذي قامت من خلاله بإعادة احتلال الضفة الغربية، وحاصرت الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى أن تمكنت من اغتياله.
اليوم وفيما يرفع العلم الفلسطيني أمام مقر الأمم المتحدة ترد إسرائيل بذات الروح العدوانية، من خلال الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، ومواجهة الشبان بالنار والقتل، في الخليل وجنين و رام الله و القدس ، ويعاود الطيران الإسرائيلي شن غاراته على مواقع مختلفة في قطاع غزة ، وآلياته تتوغل في بعض المناطق شرق القطاع.
هذه هي طبيعة الردود الإسرائيلية على كل مبادرة، أو حركة أو نشاط أو إنجاز يتحقق للشعب الفلسطيني، أو يناصر حقوقه، والسؤال الذي يعود مجدداً إلى الواجهة وهو سؤال متكرر وموجع، لكل وطني فلسطيني وهو: إلى أي مدى يمكن تحقيق المزيد من الإنجازات في ظل الوضع الفلسطيني الراهن والذي لم يتبق إنسان واحد راض عنه؟
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا إلى توسيع عملية السلام والأرجح أنه يقصد، العودة إلى المبادرة العربية للسلام بما أنها قدمت لإسرائيل عرضاً سخياً، فمقابل عملية سلام تؤدي إلى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، تحظى اسرائيل باعتراف الدول العربية والإسلامية. يعني انه مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية ستكسب إسرائيل تطبيع علاقاتها مع سبع وخمسين دولة هي ثلث عدد الدول التي تتشكل منها الأمم المتحدة ولكنها ترفض مثل هذا العرض. رفض إسرائيل للعرض العربي بحد ذاته، يقدم دليلاً إضافياً على أنها ترفض بأي حال من الأحوال الاعتراف بحقوق لشعب يعترف به العالم أجمع، ما يعني أن خيار المفاوضات هو خيار عبثي لا طائل من ورائه سوى تبديد الوقت والجهد والدم. وبغض النظر عما يفكر به هذا الطرف أو ذاك من سياسات وتغييرات، وما قد يتخذه من قرارات، فإن كل ذلك سيبقى بلا معان حقيقية طالما أن البيت الفلسطيني الداخلي مدمر على النحو الذي هو عليه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية