البنك الدولي:الفلسطينيون يزدادون فقراً ونحذر من اندلاع نزاعات جديدة

القدس / سوا / قال البنك الدولي إن الفلسطينيين يزدادون فقرا للسنة الثالثة على التوالي، مشيرا إلى أن مستوى أداء الاقتصاد الفلسطيني سوف يبقى أدنى من طاقاته الكامنة إلى أن يتمّ إبرام اتفاق سلام، غير أنه استدرك أن من الممكن للاقتصاد الفلسطيني تجاوز التّوقعات المفترضة، حتّى من دون إبرام صفقة سلام نهائية، إذا ما جرى تنفيذ الاتفاقات النّافذة، ورفع القيود المفروضة.


ويقول البنك الدولي في تقرير يعرضه، غداً، أمام لجنة تنسيق مساعدات الدول المانحة (AHLC) في نيويورك، إنه "يَتعيّنُ على السُّلطة الفلسطينية الاستمرار في الإصلاحات التي تُدخلها على إيراداتها ونفقاتها بهدف تحسين الاستدامة المالية، وتقديم خدمات ذات جودة عالية حتّى في ظلّ السِّيناريو السّياسيّ الراهن".


وأضاف "إلى أن تنطلق استثمارات القطاع الخاص الفلسطيني؛ يجب على المانحين زيادة المعونات التي يقدّمونها إلى السلطة الفلسطينية، وذلك نظراً لأنّ الفجوة التّمويلية في موازنة السلطة الفلسطينية لا يُمكِن سدّها من خلال الإصلاحات وحدها"، لافتا إلى أن "انخفاض المعونات من الجهات المانحة، والحرب، وتعليق تحويل الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية، والقيود التي تستمرُّ الحكومة الإسرائيلية في فرضها، أحدثت أثراً شديداً على الاقتصاد الفلسطيني".


وحذر البنك الدولي من أن "البُطء في صرف المعونات، والقيود المفروضة على الواردات تؤخِّر عملية إعادة إعمار قطاع غزة "، مشدداً على أنه "يجب التّعجيل في التّعامل مع كلتا المسألتين"، وقال "من ما مجموعه (3.5) مليار دولار أميركي، وهو مجموع المبالغ التي تمّ التّعهّد بالمساهمة بها في مؤتمر القاهرة لإعمار غزة، جرى صرف ما مجموعة (1.23) مليار دولار أمريكي حتى الآن، ما يجعل نسبة الصرف تبلغ مستوى 35 في المئة".


وأضاف "وتقلُّ المبالغ المصروفة بمقدار (881) مليون دولار أميركي عمّا تمّ التّخطيط له أصلاً؛ ويُعزى ذلك النقص، في جزء رئيسي منه، إلى أنّ مقدار المبالغ التي سدّدها كبار المانحين لا يزال أدنى مما هو مُنْتَظَرٌ منهم".


ويبحثُ التقريرُ في الاتّجاهات العامّة الاقتصادية الحالية، ويُوصي باتّخاذ تدابير وإجراء إصلاحات لوقف حدوث المزيد من التدهور في هذا الاقتصاد.


وفي هذا السّياق، قال ستين لاو يورغنسن، المدير القطري لمكتب البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة،، "يَعملُ استمرارُ الواقع الرّاهن المتقلّب على زيادة مستوى القلق وعدم اليقين، ويُلقى بظلاله على قدرة الفلسطينيين على تصوّر مستقبلٍ أكثر إشراقاً. ويُمكِنُ لتدابير التّنمية الاقتصادية أن تعمل على بناء الثّقة تجاه تشكيل أُفُقٍ دبلوماسيّ، طرفا النّزاع في أمسِّ الحاجة إليه".


ويشير التقرير إلى "ان تنافسيّة الاقتصاد الفلسطينيّ، حسبما يثبته البنك الدولي، ما زالت تتآكل تدريجياً منذ إبرام اتفاقات أوسلو، ولاسيّما في قطاعيْ الصناعة والزراعة. ومع أنّ المعونات التي تُقدّمها الجهات المانحة قد عملت على زيادة الخدمات التي تُموِّلها الحكومة الفلسطينية، وعلى مؤازرة النّموّ الذي يُحرّكه ويقوده الاستهلاك خلال الفترة من 2007 – 2011، إلا أنّ هذا النموذج من النمو قد أثبت أنّه يفتقر إلى الاستدامة".


وأضاف "فقد تراجع الدّعم الذي يقدّمه المانحون تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة؛ ومن الطبيعي القول إنّ المعونات لا تستطيع أن تَسُدَّ النّقص في استثمارات القطاع الخاص، التي لا تفي بالغرض. لذلك قد بدأ النمو في التّباطؤ منذ العام 2012، فتقلّص الاقتصاد الفلسطيني في العام 2014 بعد أن وضعت الحربُ أوزارها في قطاع غزة. وفي أوائل العام 2015، كان مستوى النّاتجُ المحليُّ الإجماليُّ لا يزال أدنى من المستوى الذي بلغه قبل عام. فنظراً للنمو السكاني، ما زال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي آخذاً في التّقلّص منذ العام 2012".


وتابع "ويظلُّ مستوى البطالة مرتفعاً، ولاسيّما في أوساط الشباب في قطاع غزة، حيث تجاوزت نسبة البطالة بينهم 60 في المئة، وحيث تعيش نسبة 25 في المئة من الفلسطينيين، في الوقت الحاضر، تحت خط الفقر. وبالرغم من الجهود المتواصلة للسلطة الفلسطينية في عملية الإصلاح، إلا أن هذه الجهود لم تمنع ظهور فجوة مالية في ميزانية السلطة للعام 2015 في ظل ضعف النمو الاقتصادي، وانخفاض المعونات من المانحين، والتّعليق المؤقّت من جانب الحكومة الإسرائيلية لعملية تحويل الإيرادات التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية. ويُحتَمَلُ أن تؤدِّي استمرارية هذا الوضع إلى اضطرابات سياسية واجتماعية".


وحذر البنك الدولي بهذا الشأن من انه "باختصار، فإنّ الوضعَ الرّاهن يفتقر إلى الاستدامة، وقد يؤدي الى اندلاع المزيد من الصّراع والاضطرابات الاجتماعية".


وقال "يُشكِّلُ انعدام الاستقرار السِّياسي خطراً كبيراً على المستثمرين من القطاع الخاص، ويُعتَبَرُ سبباً رئيساً يُفسِّر أسباب بقاء مستويات الاستثمار من جانب القطاع الخاص متدنيةً جداً لعديد السنوات. وإذا ما استمرّ الوضع الرّاهن على ما هو عليه حاليّاً، فإنّ الاستثمارَ من قبل القطاع الخاص لن ينتعشَ، وإنّ هذا القطاع، الذي ينبغي أن يكون المحرِّك الرئيس للنّموّ المستدام، سوف يستمرُّ في الأداء بمستويات أدنى بكثير من طاقاته الكامنة".


وأضاف "كذلك فإنّ الانقسام الفلسطيني الداخلي، بين الضفة الغربية وقطاع غزة، يخلق صعوبات لمستثمري القطاع الخاص الذين يضطرُّون للتّعامل مع إطارين تنظيميّين، ونظامين منفصلين للضرائب في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة. بَيْدَ أنّ الافتقار إلى الأُفق السِّياسي، يجب أن لا يؤدِّي بالطرفين إلى تقبل الوضع الحالي. فَثَمّةَ الكثيرُ من الإجراءات التي يُمكن اتّخاذها، حتّى قبل التّوصل إلى صفقة سلام نهائي، والتي من شأنها أن تعمل على تحسين مستوى التنمية الاجتماعية - الاقتصادية للفلسطينيين. فهذه الإجراءات ضروريّةٌ، لا للتّنمية الاقتصادية فحسب، بل لعملية السّلام أيضاً، نظراً لأنّ التجربة الدولية قد أثبتت أن التّنمية الاقتصادية تُفضي إلى السّلام".


ولكن البنك الدولي أشار إلى أنه "من الممكن للاقتصاد الفلسطيني تجاوز التّوقعات المفترضة، حتّى من دون إبرام صفقة سلام نهائية، إذا ما جرى تنفيذ الاتفاقات النّافذة، ورفع القيود المفروضة"، وقال "فعلى سبيل المثال، فإنّ اتفاقية أوسلو تنبّأت بحدوث انتقال تدريجيّ للمنطقة المصنّفة "ج" إلى السيطرة الفلسطينية، ولكن ذلك لم يحدث بعد. وتُبيِّنُ تقديرات البنك الدولي أنّ إتاحة الإمكانية للاستفادة من المنطقة المصنّفة "ج" (ما عدا المناطق الخاضعة لمفاوضات الوضع النهائي) من شأنها أن تزيد حجم الناتج القومي الفلسطيني بالثلث تقريباً، وتُخفِّضَ العجز لدى السلطة الفلسطينية بمستوى النّصف".


وأضاف "وبالمثل، فإنّ تحويل الحكومة الإسرائيلية الإيرادات التي تجمعها بالنّيابة عن السلطة الفلسطينية بصورة منتظمة، والتّعاون الوثيق بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بهدف تقليص عمليات التّسرب الضريبي إلى الحدِّ الأدنى، تعتبرُ عوامل حاسمةً لضمان القدرة على التّنبّؤ المالي. وبالنسبة إلى القيود المفروضة على حركة وتنقل الفلسطينيين وقدرتهم على الوصول إلى الموارد، فإن أحدثَ التّصريحات التي صدرت عن المسؤولين الإسرائيليين بشأن أهمية التّنمية الفلسطينية، مُرحَّبٌ بها فيما لو تم تنفيذها".


وتابع البنك الدولي "وأخيراً، فإنّ التّنفيذَ التّامّ لاتفاقية باريس الاقتصادية وتوسيع نطاق العمل المشترك بين المؤسّسات العامة الإسرائيليّة والفلسطينيّة، من شأنهما أن يُساعِدا في إنشاء بيئة للأعمال والأموال قابلة للتّنبّؤ بها بدرجة أكبر. كذلك فإنّ الحصار المفروض على قطاع غزة من البلدان المجاورة للقطاع، لا بُدَّ له من أن يُرفَعَ بطريقة تحمي بواعث القلق الأمنية المشروعة لتلك البلدان".


وأشار بهذا الشأن إلى انه "بصورة عامّة، فإنّ إتاحة الإمكانية للفلسطينيين للحصول على مدخلات الإنتاج والنّفاذ إلى الأسواق الخارجية، والتّمكين من انتقال السِّلع والأيدي العاملة ورأس المال، دون عراقيل، وفق الشروط التي تنصّ عليها اتفاقية باريس الاقتصادية، من شأنها كذلك أن تُحسِّن بصورة حاسمة آفاق نمو الاقتصاد الفلسطيني".


ووفقا لتقرير البنك الدولي، فإنه يمكن للسلطة الفلسطينية مواجهة التحديات المالية، فيما يقع منها تحت سيطرتها. فخفض فاتورة الأجور، الذي يُمكن أن يؤدّي إلى تحقيق وفورات كبيرة تصل إلى 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، يندرج على قائمة أعلى الأولويات.


وقال "وإضافة إلى ذلك، يجب على السلطة الفلسطينية بذل المزيد من الجهود لتحسين مستويات الجباية الضريبية، والاستمرار في الدّفع قُدُماً نحو إجراء الإصلاحات في قطاعي الصحة والكهرباء".


وأوضح يورغنسن "إنّ معالجةَ بعض جوانب القصور في الإنفاق على الصحة العامة، على سبيل المثال، تستطيعُ إحداثَ وفورات يُمكن استخدامُها إمّا لخفض العجز، وإما للاستثمار في توفير خدمات صحية عالية الجودة."


ودعا البنك الدولي في تقريره إلى ضرورة أن لا يؤدّي الافتقار إلى الأُفق السّياسي بجميع الأطراف إلى تقبل الوضع الحالي، وخاصة أن العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها من أجل تحقيق التّنمية الاقتصادية تُؤدي إلى تمهيد الطريق للتوصّل إلى حلٍّ سلميّ للنزاع.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد