ليس في غزة فقط إنما في فلسطين، منذ سنوات طويلة ونحن نكرر القول يبدو العيد غير ذلك الذي كان عليه زمان من فرح و انتظاره بشوق، والقول أن العيد هذا العام مختلف عن العام الفائت. الأوضاع كئيبة و الأحداث تلاحق الناس من سنة لأخرى بل من يوم لأخر، في مصيبتهم ونكبنهم المستمرة و المقيمة فيهم و حزنهم وصمتهم وأزماتهم الإقتصادية وفقرهم وهمومهم المعيشية اليومية.
حصر ما يعانيه الناس مسألة معقدة، فالمعاناة ليست واحدة، الجميع يعاني، لكن معاناة عن معاناة تفرق، في غزة يخزن الناس كل شيء مروراً بالثوم والدقة و الزعتر والفلفل الأحمر والزيت والزيتون إلى الوقود بأنواعه المختلفة، و البصل الذي وصل سعر الكيلو منه أكثر من دولار و البندورة سعر الكيلو 2 دولار تقريباً. زمان الناس كانوا يجففوا البندورة. الآن الحكومة في غزة تمنع استيراد البصل و البندورة.
و للتغلب على أزماتهم و تحسباً للقادم الأسوأ، و أهم شيء يقوم الناس بتخزينه الحزن و الألم، وخبرتهم في تخزين الفرح صعبة، فهم لم يستطيعوا فعل ذلك، كما هي لحمة العيد والخشية من فسادها لغياب الكهرباء.
في صباح العيد يصحوا الجميع على ضجيج الأطفال وهم يتزينوا كي ينزلوا للشارع ويصرفوا ما إستطاع الآباء الجود عليهم، أو بما إستطاعت الأمهات تدبير ما يليق بهم و شظف حياتهم.
عادة في العيد ينصرف الأطفال لتضييع ما جمعوه من عيديات بفرح ونهم، وينصرف الآباء والشباب إلى صلاة العيد، ومن تمكنوا من شراء أضحية يذهبوا إلى المشاركة في طقوس ذبح الخراف ومساعدة الجزارين في نحر الأضاحي، زمان كان أحد الأقارب أو الجيران الذي تعلم الذبح بالصدفة أو من والده هو من يذبح ويسلخ الخروف في أقل من ربع ساعة، من زمن أصبح الناس يتشاركون في أضاحي من العجول والبقر.
العيد فرح برغم كل ما نعانيه من تعب وإرهاق عصبي ونفسي وجسدي والاهم المادي، قبل البدء بالعمل الشاق و التنقل السريع والقصير من بيت لأخر ومن دون تناول أي مشروبات كي تتم المهمة.
وكي يكون اليوم مريح يصلي الرجال والشباب صلاة العيد، وبعضهم لا ينتظر الخطبة كي يتمكنوا من حضور عملية الذبح والوقوف على رأس الأضحية القربان للشهادة على الذبح، والشاطر هو من ينهي العملية قبل الضحى ليفتخر لاحقا أنه أنهى المهمة الأولى من يومه أو أيامه القادمة.
وتبدأ مرحلة شد الأعصاب والعمل الشاق بتقطيع أجساد العجول الضخمة والبقر الهرم والهزيل، الذي يذبح لتوزيعه على الفقراء والمساكين، ومع إنتهاء المرحلة الأولى تأخذ الحصص إلى البيوت وهناك يبدأ العمل ونوع خاص من الهمسات و التمتمات في فرز اللحمة ونوعيتها و جودتها بما فيها جودة العظم والدهون، وتوزيع الحصص وكمياتها حسب المحبة و درجة القرابة وصلات الرحم والجيرة وفقراء الحارة ومساكينها أو المعارف.
العيد ليس هو العيد، زمان كان في وقت عند الناس يقعدوا ويتسامروا ويحكوا، وكانت الشوارع تغص بالسيارات التي تجوب وتنقل الأضاحي من العجول والأبقار والخراف، ويركض الأطفال خلفها وضجيجهم كان جميل، وكان جيران لنا يشتروا الخراف قبل شهر من العيد و يزينوها و يدلعوها، ويطعموها الأعشاب وليس العلف كما هو الآن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد