بكل المقاييس, كان مفاجئا أن يعلن أحد قادة حركة حماس برنامجا لتحرير فلسطين, كلها أو جزء منها, وخط سيره مرورا بعسقلان وبئر السبع وصولا إلى القدس الشريف وفي القلب منها المسجد الأقصى.
ما أصابني بالدهشة أن يرد اسم بيتونيا أحد أحياء مدينة رام الله , فهل يراها الوزير محتلة هي الأخرى رغم أنها تقع ضمن المناطق الفلسطينية المحررة, أم أنها نقطة ثانية لانطلاق جحافل قوات التحرير, أم كان يقصد مدينة أخرى محتلة فوقع الالتباس. لا شك أن وزير الداخلية السابق يعرف المدينة المحررة ويعرف أهلها.
إذا أخذنا الكلام على محمل الجد, فهل تراه يكشف سرا عسكريا, أم أن الحشد والمناسبة التي تتعلق بأولى القبلتين أغرى القائد الحمساوي فقال ما قال.
لم يضع أحد التصريح على لسان السيد فتحي حماد , ولا كان في وثيقة عسكرية سرية من خزائن أسرار حماس . كان تصريحا أمام حشد غفير من الغاضبين على جرائم الاحتلال ومستوطنيه في المسجد الأقصى وأمام كاميرات الصحفيين التي تنقل على الهواء كل حرف وكل حركة , فأجزنا لانفسنا التساؤل وليس المساءلة .
تحليلات الناس في ما قيل ذهبت مذاهب شتى: بعضهم مؤيد لما قال الرجل وأكثرهم غير مصدق, ولو عرضت ما قيل على أحد من المارة إن كان يتوقع في المدى المنظور أن يتحقق ذلك سيلوي عنقه ويمط شفتيه ويمشي في سبيله دون استئذان.
وثمة من اعتبر كلام الوزير مجرد رسالة إلى الاحتلال القصد منها تحريك الوضع الجامد, وأننا نمتلك عناصر تحريكه بالقوة, وثمة من اعتبرها مجرد تفاؤل بالفعل والإيحاء بالقدرة على الانجاز تلازم القادة عادة .
صحيح أن حلم التحرير يراود كل فتى,. كل شيخ, وكل سيدة فلسطينية رؤية ورؤيا لا تفارقه, وخاصة أؤلئك الذين يعيشون في الشتات. تظنهم قد ألفوا واقعهم الجديد منذ الهجرة فإذا بهم لا ينفكون يتحدثون عن الحلم بالعودة .
فلسطين حاضرة . في المدارس والمساجد والبيوت والحارات, وفي أسماء الأبناء ولباسهم . أن تقاوم يعني إعلان العصيان على الهزيمة والموت. القبول بالهزيمة خروج كامل من التاريخ . عدونا صار على مقربة من فناء البيت المقدس وتخوم القلب. تجرأ على القِبلة الأولى ودنّسها , وأما القلب فليصمت بطعنة نجلاء أو برصاصة تمزق شرايينه عوض أن يحيا مسربلا بالعار والذل والخوف, أو الموت قهرا .
لا نلوم القائد الحمساوي فهو ضحية, لاجئ مشرد , كان مسقط رأسه قرية صغيرة اسمها "بربرة" فصارت فلسطين كلها . لوم الضحية يعني أن ترصّع صور القاتل بالنياشين والأوسمة وت فتح باب الذل على مصراعيه .. ولأنها الكرامة كل ما تبقى بعدما خسر الفلسطيني الأرض والوطن والبيت وابتسامة الأطفال ..كان لا بد من إبقاء الحلم مشتعلا فإما أن نكون عظماء فوق الأرض أو عظاما تحتها ..
مرة أخرى , سنأخذ كلام السيد الوزير على محمل الجد خاصة أنه حدد للوصول إلى الأقصى محرِرين ثلاث سنوات ونسأل: متى تبدأ الخطوة الأولى في رحلة الآلف ميل ؟ إذا كان الإعلان عن سحب كل الاتفاقات التي تلزم المجاهدين بالهدوء يمثل الخطوة الأولى فهي غير كافية , لقد ذهبت أدراج الرياح بتصريح مسؤول أخر عندما قال إن الحركة غير معنية بالحرب الآن . رسالة إعلان حرب في مقابل رسالة تطمين وتهدئة .
أيا ما كان الأمر يبقى السؤال : لماذا لم يبدأ التحرير الآن إذا كنا نملك القوة اللازمة؟ لماذا لم نبدأ بالخطوة الأولى الآن ؟
نعرف مذ كنا أطفالا شعار منظمة التحرير الفلسطينية : وحدة وطنية , تعبئة قومية, تحرير . إذا كانت الأولى حاضرة فقط في حفل المزايدات والمناسبات واتهامات التخوين والتكفير, والثانية ميتة وميؤوس منها , فكيف سنصل إلى التحرير ؟!
لا بأس أن نسير في مشوار الألف ميل حتى منتهاه مهما طالت المسافة وطال الزمن , لكن اليأس أن لا نبدأ الآن بالوحدة وأن لا نغلّب المصلحة الوطنية على الحزبية , وأن لا نضطر راضين أو مكرهين لتأخير السير فيه غدا أو بعد غد تحت ذرائعٍ أظنها قصيرة النظر .
في رأيي , الأسباب الأولى الموجبة للفعل في النفوس وفي الشوارع ما زالت في طور الكلام , ولم نرها بعد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية