اجتمعنا في مطعم قرطبة، نجول عبر الصور في ماضينا الحاضر وحاضرنا الأليم. نصعد قوارب الثقافة لننجو بمن معنا من الشبان نحو شواطئ الوعي والإدراك. نرسم خطوطاً لحكاية جديدة تجمعنا بعيداً عن حالة التناحر والانفصام السياسي. فالحالة الضبابية التي تعيشها المنطقة وتحديداً الأراضي الفلسطينية تدفع بالحريصين على الوطن والإنسانية فيه لتبني دور تنويري نحو توحيد الصف،في محاولةلطي العتمة بنور الوعي، وقتل العنصرية والتطرف بروح الفهم والإدراك، وممارسة الحوار وتبني الرأي والرأي الآخر دون تخوين أو تسفيه لأي فكرة مهما كانت أو بدت، هكذا بدأت قرطبة غزة وهكذا ستستمر.
في لقائنا (صفر) حددنا البوصلة، فكان للأدب والموسيقى والفكر نصيب كبير، وعلى هامش اللقاء دردشات يقودها مخرج شاب معروف، يطلب من هذا الكوميديان الحديث عن تجربته مع الناس في غزة، وكيف نجح هذا الممثل الساخر بممارسة مهامه دون الاصطدام معالعامة الذين يضطر غالباً لمشاركتهم معه في حلقاته تلك.نتحدث حول مبادرات الحضور الناجحة، فلكل فرد في هؤلاء القراطبة حكاية نجاح، فمنهم شاعر صاحب بيان، وآخر كاتب ساخر وآخر روائي، وآخر حصد العديد من الجوائز في المسرح وموسيقي شاب.منهم من صدر له مجموعات شعرية متعددة، ومنهم منحصل على عدة جوائز دولية في الإعلام الاجتماعيورفيقه المصور الذي يعمل في وكالات أنباء عالمية، بينما هذه محاضرة جامعية وتلك إعلامية واعدة باتت تشكل حالة جديدة وأخريات، فكل واحد من هؤلاء القراطبة يشكل حجر أساس في بناء مجتمع متمايز قوي ومؤثر.
إن لقاءنا (#في_قرطبة)هو السعي لتشكيل حاضنة لتوجهاتنا وأفكارنا ورؤانا مهما اختلفنا أو اختلفت أهدافنا. وشعارنا التعاون والبناء، والرأي والرأي الآخر، دون التبعية لأحد أو الارتهان لأي مؤسسة رسمية كانت أو أهلية. فالثقافة في بلادنا بلغت حداً كبيراً من التبعية التي عزلت تلك الحاضنة عن جوهرها وحقيقتها. وصار المثقف رهينة بيد الساسة، يؤمِّن خلف هذا أو ذاك من أجل الراتب أو المنصب. حتى المؤسسات الأهلية صارت رهينة بيد الممولين بأجندات تتعارض في غالبها مع عادات وتقاليد وثقافة المجتمع.
أحد أهم الأهداف التي يرجوها القائمون على تلك القرطبة وأحسبني واحد منهم، هو استثمار الماضي من أجل الحاضر والمستقبل، وقراءة التاريخ، وفهم الفلسفات العالمية ومحاورة الفاعلين في المجتمع، وإيصال رسائل وحلول لكثير من الإشكالات التي تعيشها الأراضي الفلسطينية كي تكون هناك حالة حقيقية من التواصل بين القاعدة والقيادة، وبين المواطن المثقف والمفكر والمسؤول الذي ينتظر مخلِّصاً للأزمات المتراكمة بسبب حالة الانقسام.
أيضاً، يسعى القائمون على قرطبة في تحفيز المؤسسة الرسمية والمؤسسات الأهلية والمطاعم والمتاحف على احتواء مثل تلك التجمعات كي نشكل معاً حاضنة كبيرة برؤى مختلفة تتبنى آراء ومواقف شأنها أن تدعم ثقافة الاحتواء وتتبنى الرأي والرأي الآخر في ظل حالة التخوين والتكفير والتهميش الغير مسبوقة.
قرطبة في غزة، بنكهة التراث والحضارة تعيش وستستمر حتى يصل المواطن الفلسطيني الغزي إلى بر الأمان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية