جاء السفير القطري الى غزة فقطعت الكهرباء، وما أن همّ بمغادرتها حتى عادت كما كانت، الا من بعض المناطق الجنوبية.
أصبحنا نتطير من رؤية العمادي في غزة، مع أن الرجل لا ذنب له في قطع الكهرباء، ونعرف انها احد فنون إظهار المظلومية للتسول وفرصة اتهام الآخرين...
لا شك ان السفير يحاول أن يترك اثارا طيبة ويساعد في بناء ما دمره الاحتلال، لكنه يحار من أين يبدأ: هل يبدأ من الشوارع المحروثة بجنازير الدبابات أم البيوت التي دمرتها الطائرات أم البحث عن مصادر عمل لطوابير الخريجين من الجامعات أم الذين أغلقت في وجوههم بوابات العمل خلف الخط الاخضر، أم اعادة الكهرباء الى المصانع والبيوت المهدمة وإنارة النفوس المتهالكة التي اصابها العطب والغضب من وعود المسؤولين الذين ملأوا الفضاء هواء فاسدا.
كلما جاء السيد السفير تجده فرحا، ويفرح معه المسؤولون المحليون. وكلما قطعت الكهرباء أطل علينا مسؤول شركة الكهرباء في غزة فتحي الشيخ خليل بوجه باسم حاملا بشرى "احتمال" عودة الكهرباء حسب الجدول الذي لم نكن نعرفه قبل ثماني سنوات.
هكذا اذن. غزة كلها تفرح. ولماذا لا تفرح !؟ ألم تشهد مدن ومخيمات الجنوب تظاهرات "بهجة وتأييد" للشركة ومسؤوليها ؟ ! لذلك نرجو الابلاغ عن أي مواطن لم يفرح مع غزة. وفي حال ضبط أي مواطن متلبسا بالحزن على حال القطاع والتفكير في الهجرة قرفا مما يسمع ويرى سوف يتم القبض عليه ومحاكمته بتهمة ازدراء المسؤول والشك غير المبرر في أهداف الضرائب المتنوعة قصد توفير مستلزمات الصمود والتكافل الاجتماعي.
نحن شعب يمتاز بموهبة نكران الجميل. نتناسى كم ضحى السياسيون ومسؤولو الشركة من أجلنا. نتجاهل كم عملوا وكدوا واجتمعوا وتداولوا عميقا بحثا عن صيغ وحلول حتى انشغلوا عن زوجاتهم واحفادهم.
الخونة والكفار والعلمانيون هم من يرددون كلاما يشير الى استحالة العيش في غزة.
الخونة والمرتدون هم الذين يتزاحمون على المعابر ويفكرون في ركوب البحر الى المجهول ولا يفسحون الطريق للمسؤولين للبحث والتمحيص في سبل خلاص الشعب.
العملاء هم الذين يريدون مياها غير ملوثة، ومساواة في الوظائف، وعدلا في المحاكم، ودواء متوفرا ومستشفيات كتلك المتوفرة لدى الاحتلال، ولقمة عيش كريمة غير مغمسة بذل الانتظار والتبعية الحزبية.
السفهاء هم صغار القوم الذين لا يعرفون الا الشك والنقد والاعتراض...
لكن ثمة من اكتشف أننا شعب الجبارين - مع الاعتذار لسيد الشهداء. شعب عظيم في نسبة البطالة وانقطاع الكهرباء وفي جيش الخريجين العاطلين عن العمل، في انهيار مستوى التعليم والعلاج الداخلي، وفي صبرنا على من يحكمونا، وفي تحملنا للضرائب بشتى انواعها حتى تلك التي لم يعرفها العالم بعد. شعب عظيم لأننا نحمي ظهر المقاومة ونبني السلطة، رغم أننا خسرنا بيوتنا وأطفالنا وقرارنا.
رغم كل ذلك، هل نحن متساوون في الوطن؟ . حتى مصطلح الوطن نحن مختلفون على فهمه وتحديده. فثمة من يرجعه الى الحدود الجغرافية، وثمة من يمده ليصل الى حيث وصلت جماعته الدولية.
لا تحاول الاقتراب من فهم معنى الحرية التي تمارسها، فهي أضيق من مساحة السرير الذي تنام عليه في النهار، وحجم رئتك التي تتنفس فيها في الليل.
هل تعرف من أنقذ اليابان بعد قصها بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية وحولها في بضع سنين من دولة منكوبة الى صدارة العالم؟. لم يبن اليابان قائد عسكري قوي أو زعيم ملهم، ولا حزب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل شعب امن بقدرته على النهوض فنهضت البلاد كلها.
هُزمت المانيا، واستيقظ أهالي برلين على دبابات الحلفاء تدخل شوارعهم وسط تساؤلات عن ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث ؟. لكن ما حدث قد حدث. أنهى هتلر حياته برصاصة واحدة. ومات معه إيمان الالمان بحكم الفرد الواحد والحزب الواحد. أيقن الشعب أن التعددية الحزبية خيار لا بد منه لنهوض بلدهم فتنافست الاحزاب على رضا الشعب.
كلما وقع تصادم بين قطارين يسارع وزير المواصلات لتقديم استقالته تعبيرا عن تعاطفه مع الضحايا وأسفا لما حدث، مع أن مهام الوزير تختلف عن مهام سائق القطار أو منظم سير القطارات.
يحدث في بلدنا سقوط مئات والاف الضحايا بفعل سياسة خاطئة ولا نجد حتى من يعتذر !! با الله متى نكون مثلهم ؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية