47-TRIAL-  بينما تنام تل أبيب هادئة مطمئنة تشتعل عواصم العروبة من حولها، فدمشق وبغداد وصنعاء وعدن وتونس وطرابلس والقاهرة جميعها تكافح لتبقي على شرايين حياتها مفتوحة، بينما تطوان الحزينة التي وردت في قصيدة «بلاد العرب أوطاني» تبكي فراق سبتة ومليلة وجبل طارق وجزيرة ليلى والقائمة تطول.
عالم عربي يختلط فيه الحابل والنابل لدرجة أن القدس التي أُشبعت شعارات لم تعد أولوية، ليس لأن الشعب العربي خسر حميته ووطنيته وانتماءه للمدينة المقدسة وإنما لأن همه وشقاءه في حياته اليوم فاض وزاد بصورة كبيرة وكبيرة جداً.
أمة الجبر والهندسة والفلك والإبداع العلمي ذات يوم، باتت تنشغل بأمور القصف والقتل والتفجير والاجتياحات الطائفية والدينية.
شعبٌ مات في الماضي القريب من اجل خلاصه من الاستعمار، يكافح اليوم حتى يتجنب المستقبل الغريب وكل ما يحمله من هموم وخفايا بعيدة عن الدين والخُلق والحكمة. 
إذن تمزيق الممزق وتدمير المدمر وتشتيت المشتت، سياسة اليوم تماماً، كما كانت سياسة الماضي. مدنٌ تداس حتى يأتيها السماسرة ليعيدوا بناءها مستنزفين المزيد من مالها وثروتها.. ومدن أخرى تعاني الطمع والتفرد. 
عالم يفكر في تكنولوجيا الفلك وعالم يغرق في مصائب الضنك، عالم يغزو الكواكب وعالم ُتحرق فيه المراكب، عالم يتغنى بالاحتلال وشعب يصارع ظروف المحال.
الغريب أن ما يحدث لا يتمٌ في عالمٍ مبتور ومنقطع التواصل، وإنما عالم لا يحتاج فيه الخبر أينما كان إلا إلى ثلاثين ثانية، تعطينا الوقت الكافي لطباعته وإرساله عبر الفضاء الإلكتروني، لهذا فإن القرية الكونية التي خلقتها الإنترنت تعيش اليوم أزمة أخلاق وانعدام للآدمية، خاصة أن القاتل والشاهد الصامت على القتل متوازيان في المصيبة.
لقد طال ليلُ الأمة العربية وهو الأمر الذي سبب التراجع الذي نعيشه اليوم بصورة نحتاج معها إلى ثلاثة عقود من العمل والمثابرة لإصلاح الحياة بصورة يومية، وخمسة عقود للشروع في تحقيق الرخاء والإنجاز المعرفي والتطور التنموي.
طالب بلا مدرسة وطفل يقيم في خيمة وجريحٌ يحتضر وأسير يضرب وفقير يقلب حاويات القمامة بحثاً عن كسرة خبزٍ، كلها مشاهد نعيشها اليوم، أي في زمانٍ توقعنا فيه ألا تعاود البشرية القبول بالاحتلالات والاعتقالات والويلات، وأن هذا لو حدث لدفع البشرية للانتفاض لكرامتها وكرامة المسحوقين.، ولكن للأسف.
اليوم تعاني البشرية بلا شك من التخدير أو عدم الاكتراث أو حتى الملل من كثرة وديمومة مآسينا، لذا فإن كلمات أطفالنا لا يمكن إلا أن تتقاطع مع واقعنا المعاش تماماً ككلمات قصيدة الشبل الوديع عصام البشيتي «بلاد الحرب أوطاني» التي قال فيها:
بلاد الحرب أوطاني من الشام لبغدانِ ومن قصف الى ذبح قتلتم كل إخواني  بلاد الحرب أوطاني زمان الظلم أفناني 108

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد