الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، أدّت إلى نوع من التقوقع على الذات وقلة متابعة التطورات الإقليمية والدولية، ولقد تجلّى ذلك في الانهماك المطلق بالقضايا الداخلية، وما يكتنفها من صراع مرير أعاق بصورة جوهرية أي تقدم حقيقي في أي مجال من مجالات الحياة العامة، فقد أدّى صراعنا الداخلي إلى تحطيم مؤسساتنا الوطنية جميعاً، وتعطيل وتيرة التنمية وتعاظم الآثار الكارثية للاحتلال وسياساته المتمادية في الضغط على حياة الفلسطينيين وامكانيات حل قضيتهم.

والمقلق في الأمر أن تردي الأوضاع في بلادنا يقابله تقدم دولي في مسار قضيتنا، ولذلك مؤشرات قوية وذات مغزىً لا يستهان به، ولقد صوّت العالم على رفع علمنا إلى جانب أعلام الدول على مقرات الامم المتحدة وتقدم العالم خطوة في معركته ضد الاستيطان وما يصدر عنه، ولا يخلو خطاب دولي من التذكير بأهمية معالجة القضية الفلسطينية كعامل استقرار يضاف الى عوامل اخرى تنبع من الشرق الاوسط وتصب في عواصم العالم، واذا ما دققنا النظر في ما يحيط بقضيتنا من تفاعلات اقليمية ودولية، فيصبح منطقياً استنتاج ان اي حل دولي قادم لمشاكل الاقليم لا يمكن ان يقفز عن حل واقعي وعملي للقضية الفلسطينية، وقد لا يكون الحل المنشود غدا او بعد غد، وليس جاهزا للتطبيق على مدىً قريب، الا ان الاستعدادات له جارية على قدم وساق بحيث دخلنا ونحن تحت شلال دم الربيع العربي وموجات الهجرة غير المسبوقة مرحلة تكثيف الاستعدادات لحسم استراتيجي ربما يحتاج الى تصعيد عسكري نوعي في الطريق الى اعداد موائد المفاوضات والتي سيشارك فيها اللاعبون الاساسيون الدوليون والمحليون لتقاسم النتائج، وهذا قانون بديهي في الحياة الدولية اذ لا حلول بغير حروب، ولا خرائط تدوم عقودا بغير تقاسم نفوذ ومصالح بين القوى المؤثرة والفعالة والمشاركة بصورة او بأخرى في هذه الحروب.

وكون احتمالات حلول دولية لحروب الربيع العربي هي الاحتمالات المنطقية الاقرب، فإن المعتمد في هذه الحالة ليس عدالة القضايا ولا الحقوق، فحين تحين ساعة الاقتسام تغيب الحقوق بالمعنى القانوني والاخلاقي لتحل محلها القدرات والاوزان، ولن يأخذ طرف اكثر مما يستحق وقد تخرج اطراف صفر اليدين اذا لم تحسن اعداد اوراقها الفعالة واثبات ان لا حل يمكن ان يمر دون تلبية مصالحها.

فأين نحن الآن من هذه المرحلة الدقيقة في الحياة الدولية، أين نحن من الترتيبات الجارية بسرعة جنونية اعداداً لساعة الحسم الاستراتيجي في الميدان ان امكن وعلى موائد المفاوضات اخيراً.

ما نراه على الارض يشير الى حقيقة مؤسفة وهي ان حركة العالم اسرع وتيرة من حركتنا، حتى في الشأن الفلسطيني، فإن رفع العلم في نيويورك، والمضي قدما ولو بخطوات وئيدة، لمحاصرة ظاهرة الاستيطان يحتاج الى اجراءات موازية على الارض الفلسطينية وأولها بالطبع اعداد الارض الفلسطينية لتكون جاهزة لاستقبال الحلول في المرحلة المقبل، فلا مبرر للتباطؤ في انهاء الانقسام ولا مغزى لاضعاف منظمة التحرير كجسم سياسي يحظى باعتراف كوني اقوى واعمق الف مرة مما تحظى به السلطة الوطنية، او اي فريق فلسطيني على حدة، ولعلنا بحاجة الى وعي بديهية تقول ان لم تكن ارضنا صالحة وجاهزة فكل ما يمكن ان يفعله العالم عرضة لان يتبدد وتذروه الرياح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد