إذا عُقد المجلس الوطني القادم وفق آليات تحضير جيدة، وإذا ما استوفينا فرص التشاور والحوار حول كل القضايا الرئيسية التي يُفترض أن يعالجها المجلس، وإذا ما امتلكنا واعتمدنا خريطة طريق ملموسة لإعادة ترميم للمؤسسات والأجهزة والدوائر التابعة للمنظمة وحددنا السبل والوسائل التي من خلالها سنضمن تفعيلاً حقيقياً لها بما في ذلك اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، وكذلك الصندوق القومي فإن ما نريده من المجلس ينحصر في الإطار السياسي الخالص.
بمعنى آخر، فإن أفضل التوافقات السياسية بين كل مكوّنات المجلس وكذلك المكوّنات التي من المفترض أن تصبح جزءاً من المجلس ببناه وهياكله ومؤسساته... لن تجدي نفعاً إذا ما فشلنا في ترتيب المنظمة في شقها التنظيمي.
كذلك فإن التوافقات في الشق التنظيمي بما في ذلك كل التفاصيل المطلوبة لإعادة تفعيل أجهزة المنظمة ومؤسساتها لن تجدي نفعاً إذا فشلنا في التوصل إلى توافقات سياسية جامعة وملزمة لكل أنواع الطيف السياسي والاجتماعي والثقافي للشعب.
هنا لا يُشترط أن يكون النجاح كاسحاً ولا تشوبه أية شائبة، فهذه مسألة ليست فقط صعبة وإنما ليست ضرورية بالمطلق.
ولا يفترض أن يكون النجاح في الشق السياسي موازياً ومماثلاً للشق التنظيمي (على الإبرة) فهذه، أيضاً، مسألة صعبة وهي، أيضاً، ليست ضرورية بالمطلق.
يكفي أن يكون مقابل التوافق السياسي الجامع والملزم بالإطار العام أو الشامل توافق كافٍ في الشق التنظيمي، فإن كان مطابقاً ومماثلاً فخير على خير، أما إن جاء متقارباً ويتضمن القضايا التنظيمية الجوهرية فهذا إنجاز كبير بحدّ ذاته.
وحتى لا «نطيش» على شبر من الماء فإن علينا ألا نفاجأ إن كان النجاح في الشق التنظيمي أقل مما عليه النجاح في الشق السياسي وبالعكس، ذلك أننا في الواقع ننطلق من أرضية رخوة ومن حالة تباعد كبيرة في الرؤى والاستراتيجيات والسياسات وفي النهج الإداري والتنظيمي على حد سواء،
في ضوء ذلك فإن ما نريده من المجلس الوطني القادم سواء على الصعيد السياسي أو التنظيمي سيعتمد على توفر قاعدة معيارية لقياس مدى النجاح أو درجة الإخفاق.
القاعدة المعيارية الأساسية (وهي قاعدة عابرة لحقل السياسة وحقل التنظيم على حد سواء) هي إعادة توحيد المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية ملزمة.
فإعادة توحيد المؤسسة الوطنية تعني أن يُصبح لدينا «نظام سياسي واحد وموحَّد» بكل هيئاته وأجهزته ومكوّناته، وعندما نقول إننا بحاجة إلى نظام سياسي واحد وموحَّد فإن التعبير الملموس لهذا الاحتياج يعني على الأقل القضايا الرئيسية التالية:
1 ـ رسو وانتظام عمل كل المكوّنات الرئيسية لهذا النظام، وخصوصاً المجلس الوطني والمجلس المركزي، اللجنة التنفيذية، المجلس التشريعي وبقية الدوائر والأجهزة والمؤسسات الملحقة بهذه المكوّنات.
2 ـ الفصل الكامل في الصلاحيات وفض التشابك والتداخل القائم حتى اليوم.
3 ـ تحديد وتجديد مهام السلطة الوطنية ووظائفها في هذه التجربة الماضية، وفي ضوء ما آلت إليه الأمور من وقائع بات يفرضها الواقع الإسرائيلي والدولي والإقليمي والوطني الخاص.
4 ـ التفكير الجاد بخلق مؤسسة جديدة تجمع بين كل هذه المؤسسات والمكونات تكون قادرة على القيام بمهام أعلى من المهام التنفيذية وأقل من القدرة على القيام بمهام التشريع، وأغلب الظن هنا أن إعادة صياغة دستور الدولة سيحتم ويتطلب قيام مثل هذه المؤسسة وهي بمثابة مجلس أعلى للدولة.
وبما أنه يستحيل إعطاء الشرعية الكاملة لهذا النظام دون حدود دنيا من الديمقراطية، ودون توافق وطني على آليات اختيار ديمقراطية فإن الديمقراطية هنا بما فيها الانتخابات الحرة المباشرة حيث أمكن وحيث تتوفر الفرصة تصبح ضرورية لهذه الشرعية.
5 ـ يجب أن تنتهي وإلى الأبد مسألة المسّ بوحدانية وشرعية التمثيل. ومقياس النجاح الأساسي على هذا الصعيد هو مغادرة كاملة ونهائية لأية أحاديث عن شرعية التمثيل بسبب أي نوع من أنواع الاختلاف، فمسألة شرعية التمثيل ليست قضية للمنازعات السياسية أو الحزبية أو الفصائلية أو الجهوية أو غيرها.
6 ـ وقف التمثيل التلقائي للمنظمات الشعبية والفصائل في مؤسسات المنظمة على قواعد التعيين وقبل أن تكون هذه الفصائل والمنظمات هي منظمات ديمقراطية منتخبة، وقبل أن تُخضع ممثليها في أجهزة المنظمة ودوائرها لأسس ومعايير القدرة والكفاءة والشرعية الداخلية.
7 ـ إخضاع كل مؤسسات النظام السياسي لأسس المحاسبية.
لقد ثبت بالملموس أن كل مؤسسة غير قابلة للمحاسبية هي مؤسسة بيروقراطية فاشلة وإن القابلية للمحاسبة هي بالذات الضمانة للتطور والحيوية والتجديد والمراجعة والتقييم.
8 ـ في المجال السياسي، إن معيار النجاح الأول هو أن يكون البرنامج الوطني القائم على أساس حق تقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وحق العودة ليس مجرد تكتيك سياسي يستخدم لأغراض «مؤقتة»، وإنما باعتباره البرنامج القابل للتحقيق والذي تتوفر له مقومات التحقق الواقعي والذي يستجيب وينسجم مع الشرعية الدولية ومع القانون الدولي القائم على أساس هذه الشرعية.
9 ـ تحديد أسس واضحة للحل السياسي من حيث المرجعية ومن حيث المدى الزمني ومن حيث آليات وشروط التفاوض وإعطاء القيادة التنفيذية ورئاسة المنظمة والدولة والسلطة الهوامش الكافية للقيام بهذه المهمة.
10 ـ تحديد واضح وملزم لشكل النضال الرئيسي وإعطاء القيادة الحق الحصري في الخروج عن هذا الشكل بأشكال أخرى عند الضرورة.
11 ـ إنهاء ظاهرة الازدواجية في السلطة بصورة نهائية ليس فقط على مستوى الجغرافيا الفلسطينية وإنما على كل المستويات، بما في ذلك الازدواجيات القائمة بين مؤسسات السلطة والمنظمة، وما بين المجلسين الوطني والتشريعي وما بين أجهزة الأمن في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الجهات المسؤولة المباشرة عنها.
12 ـ أخيراً وليس آخراً فإن ظاهرة التفرد بالسلاح واستخدامه هي ظاهرة خطرة على تماسك أي نظام سياسي، وعلى المجلس الوطني القادم أن يحدد تبعية هذا السلاح والقرار بشأنه.
ليس هذا كل ما نريد ولكن لن نعتبر أن المجلس الوطني قد نجح إذا لم يصل بنا إلى معالجات جادة لهذه المسائل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية