تلاشت بعض إشارات التفاؤل التي سادت قبل أسابيع قليلة، إثر فشل المساعي الروسية والإيرانية لوضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي، مساع حثيثة لبلورة مبادرات لإنهاء النزاع المتفجر في الساحة السورية من خلال مبادرتين تقدمت بهما كل من موسكو وطهران، اتصالات جادة مع «الخصوم» على المستويات السياسية والأمنية، بين مختلف عواصم المنطقة المرتبكة والمتأزمة، إلاّ أن هذه الجهود، ذهبت، كما تابعنا، أدراج الرياح، في ظل تزايد اندفاعات الهجرة غير المسبوقة على مستوى التاريخ الحديث، بما في ذلك تلك الهجرات واللجوء أثناء الحرب العالمية الثانية، إدراكاً بأن نصيب الحل السياسي في سورية بات أقرب من الصفر، بعد موجة التفاؤل التي أحدثها الحراك الروسي ـ الإيراني على هذا الصعيد.

لكن هذا الفشل، لم يترجم فقط على صعيد الاندفاعة التسونامية نحو هجرة السوريين والفلسطينيين وآخرين، هرباً من الإرهاب الداعشي وسائر الفصائل المتأسلمة، فحسب، بل ان هذا الفشل، قد ساق أيضاً إلى بعض التوتر على المستوى الدولي انطلاقاً من توترات موسكو ـ واشنطن، إثر تأكيد العاصمة الروسية أنها مستمرة بدفع المساعدات العسكرية والأمنية إلى دمشق، وفقاً لعقود تمت بين العاصمتين، مع شواهد على حراك عسكري روسي تمثل في صور حول اسلحة حديثة تضم طائرات ودبابات، علماً أن الأسلحة السورية من الدبابات والطائرات هي أسلحة قديمة تكاد تكون بالية ولم يتم تحديثها منذ وقت ليس بالقصير، هذه الأسلحة استنفدت أيضاً بفعل الحرب المستمرة دون فسحة من زمن في مواجهة مباشرة وواسعة في كل أنحاء البلاد، روسيا التي أخذت تعزز من مستويات دعمها للنظام القائم، تعتبر أن ذلك يأتي في إطار الحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي أعلنت عنها واشنطن أيضاً، هذه الأخيرة في وضع حرج وحساس، فهي تعلم أن الحرب على الإرهاب يفترض مشاركة الجيش السوري فيها، وان الاستمرار في إضعاف قوات الأسد، يقوي من عضد القوى الإرهابية، وإذا ما سقط هذا النظام، فإن البديل الجاهز، هي قوى الإرهاب بلا منازع، لذلك، فإن واشنطن وهي تلوح معترضة على إقدام روسيا على المزيد من الدعم للأسد، فإنها تدرك في ذلك الوقت، أنها غير قادرة على تحديد موقف معلن وثابت إزاء خيارين، أحلاهما مرّ بالنسبة لها، ذلك أن القبول بالأسد، ولو على مضض، من شأنه أن يزعزع علاقات واشنطن مع بعض الأطراف العربية الخليجية، التي نجحت بتحويل الربيع العربي إلى حروب طائفية، استقرت وتواصلت في عموم المنطقة العربية.
وإذا كان من المعروف لكافة الأطراف، أن لروسيا قاعدة عسكرية دائمة في ميناء طرطوس السوري، فإن الحديث عن إقامة قاعدة روسية أخرى في ميناء اللاذقية ـ دون اعتراف روسي واضح بهذا الشأن ـ يعني أن روسيا تريد أن ترسل عدة رسائل، لعل أهمها، أنها لا تتخلى عن أصدقائها، كما تفعل الولايات المتحدة، التي لا تقوى على اتخاذ قرارات جدية حتى لو أرادت بسبب تجربتها المريرة في المنطقة، وموجة العداء الطاغية لها من قبل شعوب وأقطار المنظومة العربية، إضافة إلى الانقسامات التشريعية لدى الكونغرس، الأمر الذي يشكل قيوداً لها وزنها على قرارات وسياسات البيت الأبيض، والأهم من ذلك كله، التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وترجمات هذه السياسة في مواجهة تطلعات الشعوب العربية انطلاقاً من الموقف من القضية الفلسطينية.
إن الحرب على الإرهاب بالنسبة إلى روسيا، هي حرب جدية ولا بد من خوضها، ليس لحساب أحد، بقدر ما الأمر ينطوي على إدراك بأن الإرهاب يدق أبواب موسكو، ولعل تجربة تلك الحرب على الإرهاب في «الشيشان» يجعل من روسيا أكثر شعوراً بخطورة تمدد هذا الإرهاب، وعوضاً عن مواجهته على أراضيها، فإن مواجهته حيث هو الآن، يوفر عليها حرباً أو حروباً في المستقبل على أراضيها، وهي إذ تحارب الإرهاب على الأراضي السورية، فإنما تفعل ذلك، ليس فقط لدعم نظام بشار الأسد، بقدر ما هو ـ إضافة إلى ذلك ـ تحاشي خوض حروب ضد الإرهاب في جمهورياتها ذات الأغلبية الإسلامية، أو تلك المناطق الهشة التي من الصعب السيطرة على تفاصيل الحياة فيها.
ورغم التوتر القائم بين موسكو وواشنطن، حول الدور الروسي المتصاعد في روسيا، إلاّ أن ذلك، ربما ي فتح الأبواب مجدداً أمام الخيار الذي لا بد منه: حل سياسي بمشاركة كافة الأطراف بما فيها النظام الحاكم!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد