غزة: أطفال مكفوفون لا يرون إلا الكاراتيه

احد الاطفال الثامنية

غزة /  حمزة أبو الطرابيش/ يحيطك الاستغراب فور دخولك لصالة" الألعاب القتالية" في نادي المشتل الرياضي الواقع وسط مدينة غزة، حين تعلم أن هؤلاء الأطفال الثمانية الذين يقفزون برشاقة في الهواء بمساعدة بعضهم ثم يهبطون على الأرض بهدوء وسلام ضمن تمارين رياضة "الكاراتيه" "مكفوفون".

ينادي عليهم مدرب الفريق حسن الراعي بكلمة تعني في رياضة " الكاراتيه " الاصطفاف بشكل معتدل، وفي لحظات يكونون كما أمرهم.

 أصغر هؤلاء الثمانية يبلغ من العمر 6 أعوام، أما أكبرهم أنهى عامه الـ 14 حديثاً.

"هذا الفوج هو الأول من نوعه في فلسطين، بل في الوطن العربي كلّه" بهذه العبارة افتتح المدرب الراعي حديثه معنا بعد ما مسح جبينه الذي كان يتصبب عرقاً.

منذ أشهر ليست بكثيرة كانت بداية الراعي مع أطفاله فاقدي البصر، أول خطوة فعلها كانت أنه سخّر ساعاتٍ مكثفة للاستماع إلى ما بداخلهم لدفع معنوياتهم وتهيئتهم نفسياً لهذه الرياضة وتوضيح بعض الإرشادات لهم.

 

 

اليوم مع صياغة هذا التقرير أصحبت تلك الثلة العاجزة كما يعتقدها البعض تنصت وتتقن جيداً ما يقوله المدرب.

يقول الراعي خلال حديثه لمراسل (سوا) الإخبارية : "أشعر بالراحة والرضى على أطفالي، فهم الآن يتقنون الحركات بسرعة واحتراف"، تعلو وجهه ابتسامة عريضة ويكمل: "إنهم مثيرون للدهشة، أنا سعيد جداً بما أنجزت مع هذا الفوج المتحمس".

ويعتمد تدريب الأطفال الرياضين من أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة على الإدراك الحسي والصوت، ويجرى تدريبهم قرابة ساعتين بشكل شبه يومي، علما أن تدريبهم يندرج تحت برنامج دقيق يعتمد على اختيار الألفاظ التي تتناسب مع طبيعة إعاقتهم. حسب ما يقوله المدرب الراعي

ويشار إلى أن النادي اختار هؤلاء الأطفال من أحد المراكز المختصة برعاية المكفوفين بالقطاع.

 

 

وبحسب إحصائية لـ "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، فإن عدد الأفراد الذين يعانون من إعاقة بصرية في غزة يبلغ 6905 فرداً.

الطفل يوسف الشريف الذي لم ينهِ عقده الأول بعد شعر أن بعض وسائل الإعلام جاءت لترصد حكايتهم، فأراد أن يستعرض مهاراته القتالية التي أصبح يتقنها جيداً، وقف في وسط القاعة التي تغطي أرضيتها ألواح "إسفنجية"، وراح يمارس ما تعلمه من رياضة الكاراتيه. كانت حركات ذلك الطفل فاقد البصر متقنة وسريعة، يقفز في الهواء في حركة التفافية ثم يركل وهكذا.

الجميع هناك حيّا يوسف، ليبتسم الأخير. من بين الحضور كان جد يوسف ويدعى جمال، يقول الذي غطى الشيب فروة رأسه: "أصبح حفيدي أكثر اتزاناً. في الماضي كان شرساً، أما الآن طاقته الكامنة قد وجدت سبيلاً لتفريغها، نشعر بسعادة من أجل طفلنا البطل".

يصطحب الجد جمال حفيده إلى الصالة بشكلٍ دائم، وفي الشارع وقت العودة إلى المنزل، يتلقى الحفيد إعجابات كثيرة من المارّة كونه يرتدي زيّه الرياضي الأبيض في حين أنه لا يتمكن من رؤية شيء سوى السواد.

 

 

 نادى المدرب على أطفاله مرةً أخرى، ليصطفوا ويعطيهم قسطاً من الراحة لدقائق معدودة، حينها استغل مراسل "سوا" الفرصة ليتحدث مع الطفل مؤمن البيطار (14عاماً). ملخص الحديث مع اللاعب البيطار، أن سبب لجوئه لهذه اللعبة هو للدفاع عن نفسه أمام سيل من عبارات التهميش والاستهزاء التي كان يتعرض لها من أبناء حيه الواقع في منطقة الشيخ رضوان شمال غزة. يقول مؤمن صاحب البشرة القمحية: "أنا الآن أكثر قوة، أشعر بالسعادة وأنا أمارس هذه الرياضة".

وقبل أن ينادي المدرب على لاعبيه، اختتم مؤمن حديثه مبتسماً: "أحلم أن أصبح بطلاً لفلسطين يوماً ما لأمثلها في المحافل الدولية".

 ورغم هذا النجاح، إلّا أن معيقات كثيرة تحيط المدرب والأطفال، من بينها نقص الأدوات والإمكانيات اللازمة، لذلك يتمنى الراعي المتابعة الجادة من الاتحاد الرياضي وبعض المهتمين باللعبة، أما على صعيد الأطفال فمعظمهم من العوائل الفقيرة، وأكثر ما يعقيهم أجور المواصلات التي يدفعونها يومياً للوصول إلى قاعة التدريب.

يصرخ المدرب الراعي بقوة هذه المرة بإشارة تفيد انتهاء الحصة التدريبية، وفي لحظةٍ خاطفة تجمّع الأطفال الثمانية حوله وشكّلوا حلقةَ صغيرة ووضعوا أكُفّ أياديهم فوق بعضها البعض وراحوا يصرخون: "نحن الأبطال".

 

 

 

 

 

 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد