اجتماع المجلس الوطني بعد قرار التأجيل أصبح استحقاقاً لا بدّ منه، وتحوّلت كل القضايا التي أثيرت في تبريره وتفسيره وكذلك كل القضايا التي أثيرت لتأجيله هي قضايا للدورة القادمة.
وإذا كانت شرعية المنظمة وحال النظام السياسي هي ما دعا للتسريع أو «التعجُّل بالدعوة إلى عقد الجلسة، فإن نفس هذه الشرعية ونفس هذا الحال قد أديا في نهاية المطاف إلى هذا التأجيل.
لا يوجد ـ حسب ما هو متوفر لديّ من معطيات ـ حركة تحرر وطني وحركة استقلال وطني لديها من التنظيم والآليات القانونية ما لدى الشعب الفلسطيني.
ولا يوجد من هذه الزاوية حقوق (ديمقراطية) للمعارضة الشرعية أو الدستورية ما لدى المعارضة في الساحة الفلسطينية.
وأغلب الظنّ، أيضاً، أن «شوية السكر الزيادة» التي كان يتحدث بها أحياناً ولو تندراّ الزعيم الراحل ياسر عرفات قد أثبتت أنها على درجة كبيرة من الأهمية، وهي لا تقاس فقط بحجم الوجود الجماهيري لهذه المعارضة، وان هناك مقاييس فلسطينية خاصة لها علاقة بالإرث الكفاحي والتقاليد الوطنية والكثير من المؤثرات والعوامل التي لا يعرفها غير من عاصروا التجربة الوطنية الفلسطينية.
الهوامش الديمقراطية في النظام السياسي الفلسطيني تتيح ـ وقد أتاحت في الماضي ـ لأهل الحكم ولأهل المعارضة مساحة كافية لما أُسمّيه «القدرة الكامنة على الاستجابة».
وحتى لو اعتبرنا أن الشد والرخي حول عقد الجلسة وتأجيلها هو انعكاس لحالة من الصراع على منظومات التحكُّم والسيطرة فإن الهامش الديمقراطي نفسه قد أدى في نهاية المطاف إلى تحول تلك القدرة الكامنة إلى قدرة حقيقية.
هناك تحديات أكبر من أن تواجهها فتح وحدها أو معها بعض الحلفاء المقرّبين، وهناك مخاطر لا تمسّ حركة فتح أو بعض من يقف معها فقط.
القيادة الفلسطينية الممسكة بزمام الأمور في المنظمة وفي النظام السياسي ستكون أضعف بكثير لو أمسكت وتحكّمت أكثر مما هو تحكّمها اليوم بدون معارضة.
وهي أقوى بألف مرّة مع معارضة جادّة حتى ولو كان إمساكها بالمنظمة والنظام أقلّ وأضعف مما هو عليه اليوم.
وبهذا المعنى بالذات فإن قوة التيار المركزي في المنظمة هي من قوة المعارضة لهذا التيار.
والمعارضة الفلسطينية نفسها هي أقوى بألف مرة من قوتها القائمة على الأرض عندما تكون حريصة على المؤسسة الوطنية الجامعة، وهي قوية فقط بالقدر الذي تحافظ من خلاله وتحرص على قوة البيت الداخلي وتماسكه.
ومع هذا وذاك فإن فرصة انعقاد الدورة القادمة للمجلس هي فرصة استثنائية من حيث أهميتها لكل الأطراف.
فالتسوية على الرغم من كل ما يُشاع حول أنها ستشهد «انطلاقة» جديدة في خريف هذا العام قد ماتت من الناحية الفعلية وهي في حالة سريرية منذ عدة سنوات.
والولايات المتحدة أصبحت تتعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كواحدٍ من عدة ملفات ساخنة في عموم الإقليم دون أن يكون له أيّ أولوية ملحّة.
وأما أوروبا الغربية فهي غارقة في هموم الارهاب والهجرة، وهي حتى وإن اختلف موقفها عن موقف الولايات المتحدة إلاّ أنها ما زالت غير قادرة وربما غير مؤهلة للقيام بدور مستقل وفعال لما هو أبعد من «التحريك» بين فترة وأخرى.
أما الإقليم العربي فما زال يعيش مرحلة التدمير الذاتي المنظم ولم يخرج بعد من نفق الطائفية والمذهبية وأنفاق الفقر والبطالة وشقاء وبؤس الغالبية الساحقة من بلدانه.
وعلى المستوى الداخلي فإن حالة الانقسام قد تمأسست بما يكفي لتحولها إلى حالة انفصال، ووصلت الأمور إلى حدود البحث عن الأدوار بعقد الصفقات مع إسرائيل مقابل استمرار التحكم بالقطاع.
كما أن معظم فصائل العمل الوطني يعاني من ترهل شديد ومن تقادم غير مسبوق في أساليب النضال وأدواته، بل ومن تآكل في شرعية معظم هيئات وقيادات هذه الفصائل.
إذن، المرحلة خطرة للغاية والتحديات كبيرة وداهمة وهي قادمة لا محالة، فإما أن يتم استثمار للثلاثة أشهر القادمة في ورشة عمل وطنية شاملة للتحضير المسؤول لهذه الجلسة، وإما سيصار (من حالة الفشل لهذا التحضير) اما إلى التأجيل أو لعقد جلسة تقليدية لا تقوى على معالجة أي خطر من الأخطار.
ويمكن أن نلوم بعضنا البعض حول غياب التشاور وحول سرعة اتخاذ القرارات وحول أساليب مواجهة التحديات، وحول الكثير الكثير من الأحداث والسلوكيات الأخيرة، لكن المهم هو أن نعرف كيف نلوم أنفسنا ومنذ الآن إذا أخفقنا في استثمار هذا التأجيل لإعادة الحياة وبثّ الروح الوطنية لتدبّ في مفاصل الجسد الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية