من تابع وراقب المجلس التشريعي الاول المنتخب لا يملك الا ان يرفع القبعة تحية واحتراماً على ادائه الرفيع والمخلص واجتهاده في كل القضايا التي طرحت عليه والذي ارسى قواعد برلمانية سليمة دون خشية من احد ولم يسمح للسلطة التنفيذية واذرعتها الامنية الهيمنة عليه ولقد اختلف المجلس بل وتصادم احياناً مع الرئيس الشهيد ابو عمار حتى شق طريقه بالتوافق والانسجام مع الرئيس محتفظاً باستقلاليته كسيد لنفسه خادماً لمن فوضه بالانتخاب وهو الشعب.
مع اعترافي ان كل الاداء لم يكن مثالياً ولقد كان المجلس مقدراً للرئيس عرفات دوره في خلق المجلس بان رفض ان يكون مجلس اداري بل مجلس تشريعي صاحب صلاحيات ولقد تحفظ الرئيس على بعض الامور الا انه تفهم ان هناك ديمقراطية وليدة يجب الحفاظ عليها وهكذا كان ، مما جعل كل من كان عضوا فيه فخوراً بعضويته لقد كان المجلس صمام امان وهاكم جزء من تجربته فحين اشتعلت الامور بالصدام المباشر مع الاحتلال في الانتفاضة الثانية ( الاقصى ) وسقط العشرات من الشهداء من الشعب والاجهزة الامنية التي قاتلت بشرف بما تملك وحوصر الرئيس في المقاطعة حصاراً مشددا فبعد ان رفض البقاء في غزة قائلاً الخطر على الضفة وليس على غزة وموقعي هناك ومع اشتداد المواجهة مع قوات الاحتلال المدعومة بموقف امريكي متطابق وتواطئ عربي يصل لحد الخيانة واصطف المتأمرون ومنع ياسر عرفات من القاء كلمته في مؤتمر القمة المنعقد في بيروت من اجل فلسطين ( يا للسخرية ) بضغط امريكي – عربي ما عدا القلة.
واذكر اننا كنا ننتظر في مكتبه حيث استبان نجاح الضغوط بحجب كلمته ورفض الاخ فاروق القدومي القاء كلمة بديلة وبان الغضب على الجميع واقترح البعض ان يقوم الرئيس بالتحدي ويلقي كلمته من المقاطعة فرد قائلاً وهل تعتقدون ان جمال عبد الناصر في القاهرة وصدام حسين في بغداد قوموا للغذاء ووصلت الرسالة ، وجرت حركة محمومة للخروج من المأزق الصعب وفرضت امريكا واسرائيل بمساعدة بعض العرب وجوب تخلي الرئيس عرفات عن رئاسة الحكومة لابو مازن بكامل الصلاحيات ولم يكن الامر ممكن ان يمر دون موافقة المجلس التشريعي وذلك بتعديل القانون واعطاء الثقة للحكومة وكان الرفض من المجلس قوياً الا ان المرحوم ابو عمار شرح الوضع تفصيلاً للمجلس قائلاً لنا في مكتبه الرياح عاتية دعو العاصفة تمر وقام واشار الى مدافع الدبابات الاسرائيلية التي تحاصر مقره حيث ادخلت فوهات مدافعها الى داخل السور وقال انظروا انا لا اخشى الاستشهاد ولكن الوضع اكبر واخطر من ذلك وحتى العرب لا يردوا على تلفوناتي وهنا وافق المجلس على تعديل القانون وكلف محمود عباس بتشكيل حكومة وكان ميلادها عسيرا لانزعاج الرئيس من بعض مواقع الوزارة خاصة وزارة المالية ووزارة الامن الداخلي التي استحدثت للعقيد محمد دحلان .
وبعد ذلك كانت هناك جلسة حاسمة الرئيس وابو مازن والمجلس التشريعي حيث اشترط ابو مازن ان يضمن ابو عمار نتيجة التصويت في المجلس بمنح الثقة لحكومته وامتدت الجلسة ما يقارب السبع ساعات طرحت في النقاش كل التحفظات والتخوفات وانهى ابو عمار الجلسة قائلاً : نجحوا حكومة ابو مازن على الحفة يعني باربعة واربعين صوتاً باشارة لا تخفى على احد ولم يكن ابو عمار مطمئن للحكومة وبعض من فيها وتحققت هواجسه سريعاً بعد لقاء العقبة بين شارون وابو مازن والرئيس الامريكي بوش وظهر ذلك جلياً في ختام اللقاء بالبيانات الصحفية العلنية حيث تم تجاهل الرئيس عرفات وحصاره في حين كان الجميع يتوقع ان يثير ابو مازن حصار الرئيس الا ان ذلك لم يحصل وخرج ابو مازن ملقياً بيانه ولم يذكر شيء .
وكان للرئيس ابو عمار عيناً هناك اخبرته بفحوى ما سيقال وان دينسروس الامريكي الصهيوني بتعليمات من الرئيس بوش شطب كل ما يتعلق بابو عمار والحصار فبادر ابو عمار قائلاً ان البيان املي على الاخ ابو مازن ورد ابو مازن قائلاً لم يملي علي احد شيئاً!!
وعلم ابو عمار بعد ذلك انه تم رصد عشرين مليون دولار في بند سري للامن ولعل ذلك المبلغ ومآله احد اسرار بداية الطوشات القائمة حالياً .
وهنا استشعر المجلس التشريعي الخطر وقرر النزول للميدان مؤازراً ابو عمار ووقف ما يجري بعد ان لاحظ ولمس سير الامور وكان ابو عمار يضع المجلس في الصورة فطلب المجلس عقد جلسة مع رئيس الوزراء ابو مازن ليقدم تقريراً عن اعمال وزارته وكان ذلك شرط المجلس حين اعطاه الثقة بان يقدم رئيس الوزراء هذا التقرير بعد مائة يوم .
وللحقيقة كان المجلس قد حسم امره بسحب الثقة من الحكومة والاطاحة بابو مازن بعد ان ادرك ان هناك تغيير جوهري في العقيدة السياسية والامنية بما لا يتلائم مع الصالح الوطني .
وبعد جلسة التقرير استبق ابو مازن جلسة النقاش في اليوم التالي وقدم استقالته للرئيس والتي قبلت بعد عشرة ثواني بواسطة ياسر عبد ربه واعتقد ان من حررها هو الاخ نبيل عمرو.
واعود الى المجلس التشريعي في موقف اخلاقي وقانوني وسياسي يفتخر به المجلس حين توجه الرئيس ابو مازن بعد ان اصبح رئيساً للسلطة الى المجلس قبل انتهاء ولاية المجلس بفترة بسيطة قبل الانتخابات الجديدة قائلاً: ان حماس على ابواب الفوز بالانتخابات واريد منكم ان تعدلو القانون واعطائي حق حل المجلس التشريعي في الوقت الذي اراه ، الا ان الاعضاء الحاضرين وجلهم من فتح رفضوا الطلب قائلين لقد ارسينا قواعد برلمانية ديمقراطية لن نعبث بها وباختصار وما لم يعطى لابو عمار لن يعطى لغيره ولن نصادر على الانتخابات القادمة ، فغادر ابو مازن الجلسة غاضباً قائلاً كلمة تخدش الحياء ورد عليه المرحوم ابو علي شاهين بمثلها واعتذرنا للاخت ام جهاد عما سمعت .
هذا غيض من فيض واضيف كلمة اخيرة ان سر قوة المجلس هو انعدام المحاصصة والتفويض المباشر بالانتخاب من الشعب لان هذا هو الضمان لعدم التلاعب واستعمال الحيل القانونية والمالية والسياسية كما يجري الان مع المجلس الوطني طيب الله ثراه .
ويا ليت ابو عمار حياً ليطل على المشهد ويرى كيف يمسخ ويداس المجلس الوطني والمنظمة والمجلس التشريعي ولسان حاله ينصح ( بمن حضر ) ان يعودوا الى رشدهم وشعبهم وبلهجته المصرية ” كفاية لغوصة ” وانا شخصياً مع عقد المجلس الوطني شريطة ان يكون جدول الاعمال نقطة واحدة فقط هي حل السلطة حتى تكون هناك منظمة ومجلس وطني
والله غالب على امره ،،،،
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية