ربما يكشف اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، من حيث لم يحتسب أحد، عن حجم المأزق القيادي الذي يعاني منه الوضع الفلسطيني، والذي يفسر حالة العجز القائمة، منذ نحو عشرين عاماً، تبدلت فيها الدنيا بأسرها، وتغير فيها الواقع السياسي الفلسطيني إلى حدود بعيدة، فيما بقي النظام السياسي ببنيته العامة، وهيكله الرئيسي، كما هو، فاقداً القدرة على القيام بدوره، فضلاً عن المبادرة باجتراح ما هو جديد، أو ابتكار الأدوات والأساليب والأشكال التي من شأنها أن ترتقي بالحالة الفلسطينية، وأن تقود الشعب نحو تحقيق أهدافه التي يصبو إليها ويناضل من أجلها منذ عقود.
ربما كانت هناك دوافع سياسية، وعلى الأرجح كان الأمر كذلك، من وراء الدعوة لعقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو _ على الورق _ أعلى سلطة في «م ت ف» والتي هي بدورها أعلى سلطة فلسطينية، تلك الدوافع جاءت بعد انسداد الأفق السياسي بعد أكثر من عشرين عاما على توقيع اتفاقات أوسلو، وبعد نحو عشر سنوات على الانقسام الداخلي، بحيث أن البعض بات يتوقع، رغم الحالة المترهلة للمجلس ولعموم مؤسسات «م ت ف» بأن ينجم عن هذا الاجتماع اتخاذ قرارات مصيرية، من مثل الإعلان عن سقوط اتفاقات أوسلو، أو إعادة النظر بالاتفاقات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل، عملا بتوصيات دورة سابقة للمجلس المركزي _ على الأقل _ كذلك أن يتجاوز المجلس بمجرد انعقاده، واقع «الفيتو» الذي تتخذه « حماس » للإبقاء على الحالة الداخلية كما هي.
رد الفعل الأميركي، حيث لوح جون كيري وزير الخارجية الأميركي قبل أيام بالعصا والجزرة، حين أعلن عن أن حديث بنيامين نتنياهو عن استعداده للقاء الرئيس محمود عباس ، والدخول في تفاوض مباشر، فوراً ودون شروط مشيراً إلى إمكانية عودة المفاوضات، في الوقت الذي طالب فيه علناً الرئيس الفلسطيني بعدم عقد دورة المجلس، فيما كان رد فعل «حماس» واضحاً، منذ اللحظة الأولى، حيث اعتبرت أن عقد المجلس مساس باتفاقات عام 2005 ( صح النوم )، فيما طالبت ومعها بعض الفصائل بدعوة الإطار القيادي للانعقاد!
المهم أن ردود الفعل خارج إطار «م ت ف» ترى في مجرد عقد اجتماع المجلس أمراً مثيراً، ومهماً، فيما يبدو أن أصحاب البيت هم آخر من يعلم، أو أنهم ما عادوا يتذكرون الأهمية التي كان يمثلها انعقاد دورات المجلس الوطني، في بيروت، دمشق، الجزائر، أو حتى عمان، حين كان من شأن ذلك، أن يشد «براغي» آلة العمل الوطني، فيزيد من وحدة الصف، ويزيد من فاعلية كل مؤسسات «م ت ف» بما في ذلك الاتحادات الشعبية، فضلا بالطبع عن الفصائل بكل مؤسساتها العسكرية والإعلامية والتنظيمية، ورغم أن المجلس لم ينعقد منذ نحو عشرين عاماً، أي منذ أن دعي لاجتماع حضره الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وذلك لتغيير الميثاق، وشطب النصوص التي تقول بإزالة «دولة إسرائيل» وكان الاجتماع الوحيد الذي تم على ارض فلسطين، بعد تولي فصائل الثورة قيادة المنظمة، منذ عام 69، ورغم أن انعقاده هذه الأيام يعني ضرورة أن يجيب المجلس _ وهو أعلى سلطة فلسطينية على الإطلاق _ على عدة أسئلة لمحاولة الحد من معاناة الشعب الفلسطيني في كل مكان، في اليرموك، عين الحلوة، غزة ، القدس والضفة، إلا أن ما شغل بال ما يمكن وصفه «بقيادات آخر زمن فلسطيني» هو التطلع للارتقاء في المناصب الوظيفية، وذلك بالجلوس على مقاعد شاغرة في المجلس الوطني، بسبب وفاة أصحابها، أو استنكافهم، ثم بالانقضاض على مقاعد اللجنة التنفيذية، استنادا إلى حاجة طبيعية في تغيير الأعضاء، إن كان بسبب التقدم في السن، أو بسبب من تغيير السياسات داخل الفصائل، أو ما شابه ذلك.
لم يتسابق من يظنون بأنفسهم «الكفاءة» ولذواتهم الحق في تولي مقاعد في المجلس الوطني، أو في اللجنة التنفيذية، في التضحية بأنفسهم، أموالهم، وقتهم، أو على الأقل في تقديم واجباتهم الوطنية تجاه شعبهم، ولم يروا في تلك المناصب مواقع للكفاح، بل مناصب «وزارية» تقدم امتيازات مالية وبروتوكولية، لذا فقد بات «مشروعا» بالنسبة لهم أن يفعلوا أي شيء من أجل الظفر بتلك الامتيازات وبالتالي بتلك المناصب!
لم يتحدث أحد عن ضرورة وأهمية أن ينعقد المجلس في دورة جديدة وليس مجرد عقد اجتماع عادي أو استثنائي، يتم فيها تجديد العضوية بالكامل، وفق انتخابات تجري بأقصى درجة ممكنة، كما كان متفقا على الصعيد الوطني بأسره من قبل، ولم يتحدث احد _ تقريبا _ عن قانونية ودستورية ما يجري من ترتيبات، خاصة فيما يخص ملء الشواغر في المجلس نفسه، ولا جدول أعمال الاجتماع، في بنوده السياسية، المالية، التنظيمية وغيرها، لا يجري الحديث إلا عن بند يعتبر بنداً ثانوياً وهو الانتخابات، مع العلم بأنه في هذا الخصوص بالتحديد كان يجب وما زال يجب الحديث عن «مواصفات» ومحددات لمن يشغل المواقع والمقاعد، من نمط أن لا يتجاوز سناً معينة، وان لا يشغل المنصب فترة تتجاوز مدة محددة، وان يكون منتخباً أو يمثل كتلة شعبية معينة، فصيلا أو اتحاداً شعبياً، ثم أن يتم تحديد عدد أعضاء المجلس أنفسهم موزعين على الداخل والخارج، بحيث لا يصل العدد إلى ما هو عليه الآن، والذي لا أحد يعرف كم هو بالضبط ( من 700 _ 800 عضو)، يقال بأنه بالتحديد 765، وصل إلى هذا العدد، نظراً إلى أن ما يشبه الاحتفال أو المزاد، حدث حين انعقد المجلس لاستقبال كلينتون في اجتماع جرى بغزة العام 1996، بعد أن كان أقل من 400 في المجلس الوطني الأول، العام 1964.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية