منذ بدايات ما سمي "الربيع العربي"، أخذت الهجرة العربية لدول أوروبا، خاصة الاسكندنافية منها، تتزايد، وتتخذ أبعاداً جديدة، غير مألوفة قبلاً. الحلم الأوروبي، والنعيم السرمدي، دار في أذهان الكثير، من الحالمين بواقع مستقر هادئ بعيداً عن الحروب والقتل والدمار والقمع والاستبداد.

كان من الطبيعي والحالة هذه، أن تنشأ تجارة، بحرية وبرية وجوية، لتسهيل أمور الهجرة، وجني الأرباح، بل والأرباح الطائلة من ورائها.
كانت في حقيقة الأمر تلك التجارة، هي تجارة الموت. كم من سفينة مكتظة بالمهاجرين، انطلقت من موانئ مصر، أو ليبيا، أو غيرها، ولاقى الركاب المهاجرون الغرق والموت. كم من المهاجرين، الذين باعوا كل ما يملكون وحملوا أموالهم وبدؤوا رحلة الهجرة، وفي بداياتها أو وسطها، نهبت أموالهم، عنوة وبالقوة، أو بوسائل الاحتيال الناعم.. كم من الأحلام لاقت الموت غرقاً قبل رؤية "الفردوس الأوروبي" وكم.. وكم.. .
صحيح أن صورة الطفل الغريق الذي تركت الأقدار رأسه متجهاً نحو البحر والهجرة، وقدميه مسلطتين على بلاد الاستبداد والحروب والقتل والدمار.. كانت صورة صادمة للجميع، مؤلمة وموجعة، لكن هذه الصورة، مثلت في حقيقة الأمر صورة بشاعة الهجرة ومآسيها.
منذ بدايات الهجرات العربية لدول أوروبا، بعد ما سمي الربيع العربي، كانت بعض أمور الهجرة تستحق المناقشة والتوقف عندها. على رأس هذه الأمور، إعلان دول أوروبية بأنها ستقبل المهاجرين، خاصة السوريين منهم، والفلسطينيين السوريين في حال وصولهم إلى أراضيها.
وكان ما أعلنته تلك الدول، صادقاً وصحيحاً، وما أن يصل هذا المهاجر إلى تلك الأراضي، ت فتح له ملفات، وتصرف له بطاقات وراتب.. لم تكن تلك الدول تسأل نفسها، كيف وصل هذا المواطن، وهي تعلم بأن طرق ووسائل التهريب كثيرة ومتعددة، وهي تعلم علم اليقين، كيف أن المهاجرين يتعرضون لمخاطر النهب والقتل، وكيف أن الكثير من البواخر، غير الصالحة أساساً، لنقل الركاب كيف غرقت ومات من فيها...
ألم يكن في مقدور تلك الدول الأوروبية، أن تنظم الهجرة عبر وسائل قانونية، تكفل سلامة المهاجرين، وسلامة الاستيعاب وغيرها من قضايا تتعلق بالهجرة، ألم يكن بالإمكان، أن يتواصل راغبو الهجرة، عبر وسائل سليمة، الكترونية، أو مباشرة، من تقديم طلباتهم وشرح أحوالهم، ومن ثم سفرهم عبر طرق آمنة، جوية، أو بحرية، أو برية، دون التعرض للقتل والنهب والغرق. بالتأكيد، كان هذا ممكنا، فلماذا تم دفع الناس، والراغبين بالهجرة إلى انتهاج طرائق التهريب؟!!
وفي الجانب الآخر، ألم يكن بإمكان الدول، المشاركة في حروب "الربيع العربي" تأمين مناطق آمنة، للهاربين من الموت والدمار والجوع، إلى جغرافيا يتوافر فيها الأمن والأمان والغذاء؟!!
اللافت للنظر، والمؤلم حقاً، أن دولاً باتت مصدرة للبشر، وللهجرة نحو الضياع أو الموت، لم تكلف خاطرها، بإصدار تقارير رسمية، تتضمن أعداد المهاجرين وأحوالهم، ومشاكلهم... بل على النقيض من ذلك، أصدرت دول منها، قوانين تتيح سحب الهُويّات والجوازات، وحرمان المهاجرين ـ الضحايا، من الجنسية...
غريب وعجيب هذا العالم حقاً!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد