إستراتيجية ترامب تَعتبر حرب غزة "منتهية" وتُحذّر من تفجير جبهات جديدة

الدمار في خانيونس جنوب قطاع غزة

أفاد التقرير الصادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، بأن إستراتيجية الأمن القومي التي صاغتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعكس تحولًا في الرؤية الأميركية للدور العالمي للولايات المتحدة، إذ تعيد صياغة عقيدة «أميركا أولًا» بطريقة تُضعف مفهوم الهيمنة الأميركية التقليدية.

ووفق التقرير، فإن هذه الإستراتيجية لا تسعى إلى تكريس ما يُعرف بـ«القيادة الأخلاقية» للمعسكر الديمقراطي الليبرالي، بل تركز على الاعتراف بالقوميات المختلفة للدول والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية.

حرب غزة منتهية

وحذّر التقرير من أن الإستراتيجية تصف الشرق الأوسط بأنه «ملف تمت العناية به»، معتبرة أن إيران باتت ضعيفة وتم القضاء على برنامجها النووي، وأن الحرب في غزة انتهت، مع تقدم مسار التطبيع الإقليمي. إلا أن التقرير لفت إلى أن «إسرائيل تُعد طرفًا قادرًا على إعادة فتح جبهات واسعة»، الأمر الذي قد يقوّض رواية النجاح التي تسعى الإدارة الأميركية إلى ترسيخها.

وبيّن التقرير أن إستراتيجية ترامب تتضمن «التزامًا واضحًا بأمن إسرائيل»، الذي يُصنّف على أنه مصلحة أساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن إسرائيل تُعد شريكًا إستراتيجيًا محوريًا في منظومة التحالفات الإقليمية لواشنطن، إلى جانب دول الخليج ومصر.

واعتبر التقرير أن الرسالة الصادرة عن هذه الإستراتيجية هي أن "إدارة ترامب تنظر إلى التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي في الدفاع عن نفسها شرطا أساسيا للهندسة الإقليمية الجديدة، ولذلك يوجد مبرر مستمر لتقديم مساعدات أمنية لها ولتعاون استخباراتي معها ولدبلوماسية تدافع عنها في الهيئات الدولية".

اقرأ أيضا/ بحبح: لجنة إدارة غـزة جاهزة بالأسماء وأُرجّح تولي هذا الوزير رئاستها

لكن التقرير أشار إلى أن "هذا الالتزام يشمل خطا مبدئيا آخر، وهو الامتناع عن ’حروب أبدية’، أي أن الولايات المتحدة ملتزمة بأن تبقى إسرائيل آمنة، لكنها ليست ملتزمة بالعودة إلى تدخل عسكري عميق ومتواصل في المنطقة، وأنها تتوقع من إسرائيل ومن شريكاتها الإقليمية أن تتحمل معظم العبء الأمني"، ما يعني أن "الدعم الأميركي القوي يستخدم أيضا لممارسة ضغط عليها لمنع تورط الولايات المتحدة في جولة جديدة من الحروب. وأي خطوة إسرائيلية تؤدي مجددا إلى حروب منتهية تعتبر أنها عرقلة لمشروع إستراتيجي أكبر يضعه ترامب".

ولفت التقرير إلى أن إستراتيجية ترامب "تضع إسرائيل أمام نافذة فرص قصيرة، ستستمر ثلاث سنوات في الحد الأقصى، وربما أقل، وخلالها تلتزم واشنطن تجاه إسرائيل بشكل غير مألوف، ووفق نظرية ’سلام انطلاقا من قوة’".

وتسعى إدارة ترامب إلى توسيع "اتفاقيات أبراهام"، في إطار ما توصف بأنها "هندسة إقليمية جديدة"، كأساس "لاستقرار إقليمي طويل المدى ويفتح فرصا إستراتيجية لصالح إسرائيل، على أساس دمج مصالحها ومصالح دول مركزية – السعودية ودول الخليج إلى جانب مصر والأردن – في منظومات الأمن والبنى التحتية والطاقة وطرق التجارة والتكنولوجيا، بشكل يؤدي إلى تعلق متبادل ويقلص حيز عمل إيران وأذرعها"، حسب التقرير.

وأضاف التقرير أنه "طالما أن الولايات المتحدة تصف إسرائيل بأنها غير قابلة للاستبدال في الإطار الإقليمي، فإنه يتزايد حيز المناورة الإسرائيلية، سواء بالنسبة لتعهدات طويلة المدى في المساعدات والتسليح، أو في سياق تفاهمات خطية في موضوع حرية العمل، وخاصة ضد إيران وأذرعها".

"مخاطر على إسرائيل"

ادعى التقرير أنه توجد في إستراتيجية ترامب "مخاطر" على إسرائيل، بينها "التقدير المبالغ فيه الذي بموجبه أن ’البرنامج النووي الإيراني قد دُمّر’ وأن إيران ضعفت وأن الحرب في قطاع غزة انتهت، ترسخ سردية ’إغلاق الملفات’. ومحاولة إسرائيلية مستقبلية للادعاء بأن التهديد الإيراني يتجدد أو أن ثمة ضرورة لعملية عسكرية واسعة أخرى في غزة، من شأنه أن يصطدم بشكوك وبشعور أن إسرائيل تقوض إنجازا مركزيا الذي تتباهى به إدارة ترامب. وفي هذا السياق، تُعتبر إسرائيل أنها اللاعب الوحيد الذي من شأنه أن يفتح جبهات جديدة كبيرة ضد إيران ولبنان وقطاع غزة".

وحسب التقرير، فإن "ميْل ترامب إلى صفقات يمكن تقديمها على أنها إنجاز، وكذلك قدرته على ممارسة ضغوط على إسرائيل كي توافق عليها، من شأنها أن تؤدي إلى وضع تضطر إسرائيل فيه إلى الموافقة على اتفاقيات تبدو أنها تخدم مصلحة الإدارة، لكنها ذات تبعات سلبية طويلة المدى على إسرائيل وقد تقلص حيز مناورتها في أزمات مستقبلية".

وتابع التقرير أن الخط الذي يوجه إستراتيجية ترامب بالامتناع عن حروب كبيرة "من شأنه أن يؤدي إلى تعميق الفجوة بين التعهد المعلن بدعم أميركي وبين الاستعداد لاستخدام قوة عسكرية مباشرة، وخاصة ضد إيران وحزب الله. فالإدارة تنظر إلى الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية على أنها نجاح، لكن هذا القرار تعرض لانتقادات من جانب مؤيدي الإدارة، وعموما الإدارة تتحفظ من تدخل أميركي نشط في جبهات قتال".

واعتبر التقرير أنه "عندما تنقل الولايات المتحدة العبء الأمني إلى ’المحور الموالي لأميركا’ – أي إسرائيل والسعودية ودول الخليج ومصر وتركيا – فإن هذا يستوجب تعزيز التنسيق بين هذه الدول بشكل كبير، وإسرائيل قد تطالب بدفع أثمان أمنية أو سياسية كي تحافظ على بنية التحالف، حتى عندما تكون مصالحها غير متطابقة بكاملها مع مصالح شركائها".

وفي ظل معارضة إسرائيل صفقات أسلحة متطورة بين الولايات المتحدة وبين دول عربية أو إسلامية، اعتبر التقرير أن صفقات كهذه "تؤدي إلى تزايد خطر تآكل التفوق النوعي الإسرائيلي إذا لم يجر الحديث عن التعويضات والاستثناءات والقيود" لمصلحة إسرائيل.

ولفت التقرير إلى أن "الابتعاد عن التشديد على الديمقراطية وحقوق الإنسان يثير معارضة في أوروبا وفي أوساط ديمقراطية في الولايات المتحدة نفسها. وارتباط إسرائيلي علني للغاية بهذا الغلاف الأيديولوجي الذي توجهه إدارة ترامب من شأنه أن يصعّد توترات بين إسرائيل وأوروبا، وبين إسرائيل والحزب الديمقراطي وكذلك مع فئات في الجالية اليهودية، وتعميق الشرخ الاجتماعي – السياسي في إسرائيل".

المصدر : عرب 48

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد