في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من التراجع عن قرارات الشرعية الدولية، ومحاولة فرض القرار 2803 الصادر عن مجلس الأمن كبديل عنها، وجهت 151 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة صفعة مدوية للاحتلال وكل من يسعى لتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، وأكدت أن تلك القرارات ستبقى حاضرة ومتعززة حتى يسود العدل، وينال الشعب الفلسطيني كامل حقوقه غير القابلة للتصرف.
وقد جاء تصويت الجمعية العامة في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2025، بأغلبية ساحقة على قرار تمديد ولاية عمل الأونروا لمدة ثلاث سنوات إضافية، تبدأ من 30 حزيران/يونيو 2026 حتى 30 حزيران/يونيو 2029، دون الإخلال بأحكام الفقرة 11 من القرار 194 (د-3) الصادر عن الجمعية العامة. كما تم التصويت على قرارين آخرين، أحدهما يتعلق "باستمرار تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين "في مختلف أماكن وجودهم، تأكيداً على التزام المجتمع الدولي بحقوق اللاجئين وبخاصة حقهم في العودة. إن القرارات الأممية الصادرة بالأغلبية الساحقة تعكس إرادة دولية متنامية في تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني، وتُشكّل صفعة سياسية لمحاولات تصفية قضيته أو الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية. ولعلّ هذا الزخم الدولي المتجدد يشكّل فرصة يجب البناء عليها فلسطينياً، من خلال تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية وتوحيد الصف الوطني، بما يعزز مكانة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ويحافظ على المكتسبات التاريخية، وفي مقدمتها استمرار عمل الأونروا وحماية حقوق اللاجئين. فالرهان الحقيقي الآن هو في تحويل هذا التأييد الواسع إلى خطوات عملية تحصّن حقوق شعبنا وتقرّب موعد نيل حريته واستقلاله ، أما القرار الثاني، المتعلق "باستمرار تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين" فقد حصل على تأييد 151 دولة، مقابل اعتراض 10 دول، وامتناع 14 دولة عن التصويت. كما اعتمدت الجمعية العامة القرار الثالث المرتبط "بممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الناتجة عنها" وحاز على دعم 157 دولة، مقابل اعتراض 10 وامتناع 9 دول.
إن هذا التأييد الواسع يعكس مرة أخرى أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في ضمير الشعوب الحرة حول العالم وأن محاولات طمس أو نسف القرارات الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، مصيرها الفشل ،واللافت أن جميع القرارات التي صوّتت عليها الجمعية العامة تتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا*، التي لا تزال تتعرض لهجمة ممنهجة تهدف إلى شطبها وإنهاء دورها.
وفي هذا السياق، فإن التصويت لصالح "قرار تمديد ولاية عمل الأونروا"المتعلق بعمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والذي نال تأييد 145 دولة مقابل اعتراض 10 وامتناع 18 دولة، يشكل تأكيداً على تمسك المجتمع الدولي بهذه المؤسسة الأممية، ورفض محاولات تصفيتها، وتمسكه بالتفويض الممنوح لها بموجب القرار 302 لعام 1949، حتى يتم التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194 لقد جاء صدور هذا القرار، إلى جانب القرارات الأخرى ذات الصلة، ليؤكد مجددًا استمرار المسؤولية الأممية تجاه الأونروا وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ويُحمّل الجمعية العامة للأمم المتحدة مسؤولية توفير الحماية السياسية والقانونية لوكالة الأونروا بصفتها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، في وجه محاولات الشطب والإلغاء المستمرة.
كما أن "تجديد ولاية عمل الأونروا" لثلاث سنوات إضافية يستدعي من المجتمع الدولي، والدول التي صوتت لصالح القرار، الانتقال من الدعم السياسي إلى الدعم المالي الحقيقي لسد العجز المتفاقم في موازنة الوكالة، والذي يهدد قدرتها على الاستمرار في أداء دورها الإنساني والخدماتي.
إن الدول التي عبرت عن تمسكها بموقفها المبدئي، وصوتت لتجديد ولاية الأونروا، مدعوة اليوم إلى ترجمة مواقفها السياسية إلى التزامات مالية عاجلة، تسهم في تمكين الوكالة من مواصلة تقديم خدماتها الأساسية لنحو 6.2 مليون لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن، لا سيما في ظل التداعيات الكارثية لحرب الإبادة الجماعية التي تعرض لها قطاع غزة خلال العامين الماضيين.
إن القرارات الأممية التي صدرت بالأغلبية الساحقة جاءت لتعكس إرادة دولية متنامية في تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني، وتُشكّل في نفس الوقت صفعة سياسية لمحاولات تصفية قضيته أو الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية ولعلّ هذا الزخم الدولي المتجدد يشكّل فرصة جديدة يجب البناء عليها فلسطينياً، من خلال تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية على مختلف المستويات وبالاستناد لموقف موحد يقرأ التطورات ويصون الانجازات بما يعزز مكانة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ويحافظ على المكتسبات التاريخية التي حققها شعبنا الفلسطيني وفي مقدمتها بقاء القضية الفلسطينية حية تحتل مكانتها في صدارة جدول أعمال العالم . ان الرهان الحقيقي اليوم هو في القدرة على تحويل هذا التأييد الواسع إلى خطوات عملية تضمن الوصول لتحقيق حقوق شعبنا وتمكنه نيل حريته واستقلاله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية
