ما يحصل في بيروت هذه الأيام، ليس فتنة ولا مؤامرة، ولا حراكا طائفيا. هو شيء جديد، يستحق التوقف عنده، واستخلاص العبر منه. هو حراك شعبي عارم، تجاوز الأبعاد الطائفية والجهوية، والتجاذبات الإقليمية، كما سبق أن حدث في الأزمات السابقة. ما يحصل هو نتيجة احتقان، طال أمده طويلاً، وحاولت الأطراف تجاوزه، في اتفاق الطائف. ما قامت به الأطراف، هو إخماد نيران كثيرة، لكن الجمر بقي على حاله.

على هوامش اتفاق الطائف، نمت قوى، وتراجع دور قوى، لعل المستفيد الأكبر، كان رفيق الحريري، الذي تمكن من تكريس زعامته السياسية والاقتصادية، على حد سواء.
نما دور الحريري، وغذى التيار الأوسع والأقوى، والأكثر ثروة وغنى، وكان لزعامته أبعاد، بعضها طائفي ـ سني، متهادن بل ومتحالف مع الزعامة المارونية، وبعضها ثقافي وإغاثي.
بعد اغتيال الحريري، تجاذبت القوى، مجدداً، محاولات التقدم والثبات، لكن زعامة الحريري، عبر حزبه وحلفائه بقي ثابتاً، رغم ظروف مستجدة وخطرة، في آن.
في ظل الصراع الهادئ والعميق، نشأت أزمات، معظمها اقتصادي، وانعكست على حياة الناس، العاديين ومتوسطي الحال، وأصبح لزاماً على المواطن، بذل الجهود المضنية، لتأمين لقمة العيش، وتعليم الأولاد، وتأمين الحد الأدنى من الرعاية الطبية.
المواطن ينظر إلى الطبقة الحاكمة، ومسيري الحال، دون التمكن من الوصول إلى أعتابهم.. تنامت الأزمات وتفاقمت، ووصلت حد الكهرباء والتنوير، ونظافة الشارع والحي. جاءت حركة "طلعت ريحتكم" تعبيراً عن حالة الضجر، المتراكمة، منذ عشرات السنين، لتحمل مسؤولية الأزمات الاقتصادية ـ الاجتماعية، لطبقة الساسة والمسؤولين.
لعل من تابع المظاهرات، وما حدث تحديداً، ليل 30/8/2015، يمكنه أن يلحظ بوضوح، بأن تلك الاحتجاجات، تجاوزت الطائفية، فلم يرفع سوى علم لبنان، الرمز الوطني للبلاد، كما ويمكنه أن يلحظ سلمية ما حدث، فلم يتم كسر زجاج واحد.
الجميع يريد التخلص من الطبقة الحاكمة، ومن النظام الطائفي، وصولاً لنظام وطني، يخدم البلاد والعباد.
ما أراد قوله المحتجون، هو ببساطة: "نريد أن نعيش بكرامتنا وعزتنا".
ما يحدث في لبنان، هو ليس جزءاً من الربيع العربي، الذي تابعنا فصوله في سورية ومصر وليبيا وتونس، هو شيء مختلف، هو احتجاج وطني شعبي سلمي، غير مدفوع الثمن، من قوى حزبية داخلية، ولا من دول إقليمية أو دولية، هو عمل شعبي راق، عميق وشامل، وفي حال بقائه سلمياً، ودون أن تتمكن قوى جهوية داخلية، طائفية، من حرف مساره، ودفعه تجاه الاشتباكات المسلحة، فإن هذا الحراك، هو حراك مهيأ، للوصول إلى هدفين رئيسيين، تحقيق هدف، انتخاب الشرعيات، وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي، وهدف تغيير صيغة تركيبة الحكم، من حكم قائم على المحاصصة الطائفية، إلى حكم يقوم على المحاصصة الوطنية، بمعنى تحقيق هدف، تغيير بنية الحكم اللبناني، وتجديدها، بما فيه خير لبنان.
الشعارات التي نادى بها المحتجون، هي شعارات بسيطة للغاية، واضحة للغاية، لا لبس فيها ولا إبهام، والمشاركون، يشعرون بمسؤولية ما يقومون به، فهل ستشعر الهيئات الحاكمة، بما يحدث في بيروت؟!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد