في عهود سابقة، كان لا يعقد المجلس الوطني الفلسطيني، إلاّ بعد عدة خطوات تشكل تحضيراً واقعياً لمجريات دورته القادمة، وعلى سبيل المثال، كان يمكن ملاحظة أن معظم دورات المجلس الوطني تم عقدها بعد عقد مؤتمرات «اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين» سواء في بيروت أو تونس أو الجزائر أو حتى صنعاء، كانت هذه المؤتمرات، تشكل بالونات اختبار، ومواطن القوة والضعف، وميزان القوى الفاعل على الأرض، وكانت نتائج المؤتمرات، تعتبر «بروفة» للنتائج المحتملة لدورة المجلس الوطني القادمة، على الصعيدين، السياسي، وميزان القوى في إطار هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية، كما كانت تلك النتائج أداة ـ وهو الأهم ـ للحوار بين مختلف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وهي تتشاور لإنجاح دورة المجلس الوطني، من خلال الاتفاق الأولي على جدول الأعمال، والتمثيل الفصائلي في هذه الهيئات، وكذلك التوافقات حول تمثيل منظمات المجتمع المدني، الاتحادات والنقابات المهنية وغير المهنية، ولم يكن المجلس الوطني يعقد إلاّ بعد سلسلة طويلة من المشاورات وما يتضمنها من خلافات وتعارضات وتوافقات.
ومع أن تلك الدورات، قد شهدت أكثر من مرة، مشاحنات حادة، وقرارات بتجميد مشاركة وعضوية بعض الفصائل، على الأخص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلاّ أن ذلك، لم يشكل في أي حال، خروجاً من منظمة التحرير الفلسطينية، كما أن ذلك لم يوفر أي سبب أو إشارة، لاتهامات التكفير والتخوين، وحتى مع تشكيل «جبهة الرفض الفلسطينية»، كان الولاء لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ظل نبراساً لكافة فصائل المنظمة والشعب الفلسطيني أينما وجد.
إلاّ أن الأمر اختلف بشكل بيِّن بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ لم تعقد سوى دورة عادية واحدة للمجلس الوطني عام 1996، والتي ظهر أنها لم تعقد إلاّ لمراجعة وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، الأمر الذي أثار ولا يزال خلافات حادة في الساحة الفلسطينية، وقيل في حينه، إن المجلس الوطني، باعتباره السلطة التشريعية للشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، لم يعقد حتى للتشاور، عندما تم الإعداد، تم التوصل إلى مفاوضات مدريد، ثم أوسلو، هذه المفاوضات بنتائجها المعروفة، شكلت حقبة جديدة في مسار القضية الوطنية الفلسطينية، إلاّ أن المجلس يعقد، عندما ترغب واشنطن لحسابات سياساتها، وتمهيداً لمفاوضات قادمة، وفقط لمراجعة وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني! وبالتأكيد، فإن تلك الدورة لم تسبقها مشاورات كافية، وحتى أن بعض الفصائل ربما شاركت لأنه كان السبيل الوحيد لعودة بعض قياداتها في الخارج إلى قطاع غزة والضفة الغربية لاحقاً!
وبين الدورة غير العادية عام 2009، حتى اليوم، جرى في مياه نهر الساحة الفلسطينية الكثير من المخاطر والأحداث، ناهيك عن العنصر الزمني وفقاً للنظام الداخلي، الذي استوجب عقد دورات للمجلس الوطني الفلسطيني، أحداث تخللتها حروب عدوانية إسرائيلية، ومفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وتهويد واستيطان، وتوجه إلى الأمم المتحدة، واكتساب فلسطين مركز دولة غير عضو في الجمعية العامة، ثم الانقسام ونتائجه الخطيرة، كلها عناوين، كانت كافية، كل منها، لعقد دورة خاصة، أو دورة غير عادية، أو دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني، غير أن ذلك لم يحدث!
خلال السنوات السبع الماضية، أي منذ الدورة غير العادية «الخاصة» عام 2009 وحتى اليوم، جرى ترميم هياكل منظمة التحرير الثلاثة، من خلال مراسيم رئاسية من قبل رئيس منظمة التحرير الأخ محمود عباس ، كانتهاء صلاحيات الرئيس، والدعوة لانعقاد المجلس المركزي، وهكذا ظلت المراسيم بديلاً عن انعقاد عادي للهيئة التشريعية العليا، المجلس الوطني الذي يضم المجلس التشريعي.
واليوم، مع الدعوة لعقد دورة عادية، بعد فشل الدعوة لعقد دورة طارئة، فإن المواقف بين معترضين ومتحفظين على هذا الانعقاد، من الطبيعي أن يشكل عقبة أمام نجاح هذه الدورة، رغم الحاجة الماسة إلى ترميم هياكل المنظمة وتفعيلها وإعادة الحياة إلى أوصالها المهترئة، ومع أن هناك العديد من الانتقادات حول «أعمار» أعضاء هذه الهياكل، إلاّ أننا نرى أن المشكلة لا تكمن فقط في هذا العنصر، رغم أهميته، ذلك أن محاسبة هذه الهياكل، يجب أن يتم وفقاً لمعيار مدى الإخفاقات والإنجازات بشكل أساسي، فهل قام المجلس الوطني بدوره، حتى لو لم يعقد دوراته، في مجال التشريع والرقابة على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهل قام المجلس المركزي بوضع السياسات التي على اللجنة التنفيذية الأخذ بها في كافة المجالات، وهل اللجنة التنفيذية التزمت بهذه السياسات، وهل كانت هناك قيادة جماعية تتخذ القرارات وتعمل على تنفيذها؟.. أسئلة عديدة يجب أن تطرح بوضوح وشفافية، إذا كان لهذه الدورة أن تنجح في التوصل إلى النتائج التي قيل إن الاجتماع يسعى لها.
إن قراءة مواقف مختلف الأطراف من هذه الدعوة، تشير بوضوح، إلى أنه بدون العودة الى مشاورات جادة وصادقة، ودعوة الاطار القيادي، والدعوة إلى مشاركة كافة القوى الوطنية والإسلامية في هذه الدورة والتحضير الجاد والفاعل للتوصل إلى جدول أعمال لهذه الدورة، بدون ذلك، يبدو من الصعب أن تتوصل هذه الدورة إلى الأهداف الوطنية المطلوبة؟!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد