عيسى: خسرنا وحدة الموقف العربي المؤيد لمركزية القضية الفلسطينية

رام الله /سوا/ قال الدكتور حنا عيسى، أستاذ القانون الدولي، أن منطقتنا العربية والإسلامية تعيش ظروف جعلت القضية الفلسطينية تمر بأخطار على كافة الأصعدة، واوضح أن الوضع العربي الراهن مفكك وغارق حتى أذنيه في همومه الداخلية، وبالسعي المرعوب للاحتماء من مخاطر عاصفة إعادة التشكيل المحتملة لجغرافية المنطقة ونظمها السياسية.

وأضاف، "حالة القلق والإرتباك واللامبالاة العربية قد بدلت سلوك البعض نحو قضية فلسطين، بحيث أصبحت الاتفاقات الفلسطينية - الإسرائيلية ذريعة للبعض من أجل التطبيع مع إسرائيل والتنصل من أية التزامات، وهناك من اتخذ موقف النقد والغضب، وحصيلة كل هذا أننا خسرنا وحدة الموقف العربي المؤيد لقضية فلسطين كقضية مركزية للأمة العربية".

وأشار عيسى ان الانفتاح الذي أبدته الولايات المتحدة تجاه السلطة الفلسطينية لا زال محكوماً بمدى رضا اللوبي اليهودي الأميركي وحكومة إسرائيل، وأن منظمة التحرير الفلسطينية لا زالت تخضع كل 6 أشهر للمحاسبة على سلوكها من قبل الكونغرس من خلال شهادة حسن سلوك يقدمها الرئيس الأميركي للكونغرس، مشددا أن ذلك يبرهن على ان الولايات المتحدة لا تلعب دور الراعي النزيه والمحايد بل المنحاز بالمطلق للجانب الإسرائيلي.

ولفت، "أوروبا لم تقم بممارسة أي ضغوط سياسية كانت أم اقتصادية على إسرائيل بالرغم من البيانات والتصريحات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي، بل اقتصر دورها على تقديم الدعم المالي المحدود للسلطة الفلسطينية".

وقال د. حنا عيسى، وهو دبلوماسي سابق في روسيا الاتحادية، "فلسطين كانت ولا زالت تشارك الأطراف الأخرى في حركات التحرر العالمية بشأن المسائل الأخرى مثل اعتبار المسألة الفلسطينية قضية شعب يرنو الى نيل الحرية ويقرر مصيره السياسي في مواجهة العنصرية العدوانية الاسرائيلية وحلفائها من قوى الغرب الامبريالي – فهي قضية عادلة ومشروعة في عداد قضايا التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي".

وأضاف، "لكن بعد نمو وظهور جماعات الاسلام السياسي في الساحة الفلسطينية وسيطرة وتسلط حركة الاخوان المسلمين – حماس – على قطاع غزة بدعم اوساط اخوانية. وجماعات الاسلام السياسي (السنية منها أو الشيعية لا فرق)، أصبح هناك اهداف الى أسلمة السياسة وأخونة وتشيع الدولة والمجتمع وبث الفرقة والانقسام بل الاحتراب بين صفوف الشعب لأسباب طائفية بغيضة".

وتحدث الدبلوماسي حنا حول العلاقة بين الدين والسياسة، وقال، " تشكل العلاقة بين الدين والسياسة قيمة مهمة في الفلسفة السياسية، على الرغم من اتفاق الآراء، (بين المنظرين السياسيين والسياقات السياسية العملية، مثل منظمة الأمم المتحدة)، على حق حرية الرأي وعلى الحاجة إلى نوع من الفصل بين الدولة والمؤسسة الدينية، ومنع هيمنة أحداهما على الأخرى".

وتابع، "تعد محاكمة سقراط من أشهر المحاكمات على مدى التاريخ، وقد سجل وقائعها تلميذا سقراط: أفلاطون وزينوفون، حيث في عام 399 قبل الميلاد، اشتركت المؤسستان السياسية والدينية بإعدام أبرز فلاسفة أثينا، بعد أن وجهت السلطة السياسية الحاكمة تهمتين، (دينيتين)، الأولى هي إفساد الشباب والمعصية، والثانية هي احتقار آلهة أثينا وإدخال آلهة جديدة. ولإضفاء الشرعية على قرارات المحكمة، جمعت السلطة 500 من مواطني أثينا لينطقوا بالحكم، فأمتثل هؤلاء لأوامر السلطة وحكموا على سقراط بتجرع كأس السم".

وأوضح، "العلاقة بين المسجد أو الكنيسة والدولة، أو الدين والسياسة، أو بين رجل الدين والدولة المدنية، تعكس التفاعل بين المؤسسات الدينية والحكومية في المجتمع، وتكون هذه العلاقة في التقاليد اليهودية المسيحية بين المسؤولين الدينيين والسلطات الحكومية، أما في الإسلام فتكون بين الإمام أو الخليفة وبين السلطان أو الحاكم".

وقال الدكتور حنا عيسى، وهو أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، "في الغرب، وضعت عدة صياغات لاهوتية وفلسفية لتحديد السلطة النسبية بين الكنيسة والدولة. وتأرجحت العلاقة بينهما بمرور الزمن، فتارة كانت الدولة تابعة للكنيسة، وتارة كانت الكنيسة تابعة للدولة وسلطتها روحية بحتة، وتوصلت المؤسستان في الكثير من الدول إلى تسوية تحصر مهمة الكنيسة بتقديم المشورة في القوانين المتعلقة بالأخلاق".

ونوه، "العلاقة بين الدين والدولة تمحورت في ثلاث اتجاهات على مر العصور، الاتجاه الأول هو علاقة خلط (الثيوقراطية): ويقوم على الخلط بين الدين والدولة، ومن ممثليه الثيوقراطية، والتي تعنى لغويا الحكم الالهى. ومن المذاهب الثيوقراطية هي نظريتي الحكم بالحق الالهى والعناية الالهية. وفى الفكر الإسلامي تقارب الثيوقراطية، مذهب الاستخلاف الخاص، اى القول بأن الحاكم ينفرد دون الجماعة بالاستخلاف عن الله في الأرض".

واستطرد أمين نصرة القدس، "وهو مذهب قال به بعض الخلفاء الأمويين والعباسيين، وقال به الشيعة في حق ألائمة من أحفاد على (رضي الله عنه). غير أن هذا المذهب يخلط بين الاستخلاف الخاص المقصور على الأنبياء، والذي انتهى بختم النبوة ووفاه الرسول محمد (ص)، والاستخلاف العام للبشر، كما انه يساوى بين الانبياء والحكام أو الائمه في الدرجة".

وأضاف، "الاتجاه الثاني هو علاقة الفصل (العلمانية): ويقوم على فصل الدين عن الدولة، واهم ممثل له هوالعلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، ثم تحول إلي تيار فكرى معين ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوروبى، ثم تحول إلى ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم، وانتهى إلي إقامه نظام علمانى في موقفه من الدين".

وتابع، "الاتجاه الثالث هو علاقة وحدة وتمييز، (الحل الإسلامي): ويقوم على أن علاقة الدين بالدولة علاقة وحدة لا خلط وتمييز ولا فصل. فهي علاقة وحده لا خلط، لان السلطة في الإسلام مقيده بالقواعد القانونية التي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا، وبالتالي لا يباح تجاوزها، والتي تسمي في علم القانون بـ "قواعد النظام العام"، في حين تسمى باصطلاح القرآن (الحدود)، ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( البقرة: 229) : ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ .(البقرة 187)".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد